المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
الحر | ||||
طوق الياسمين | ||||
خالد |
المواضيع الأكثر شعبية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 44 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 44 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 290 بتاريخ الخميس أكتوبر 03, 2024 9:09 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
طوق الياسمين | ||||
الحر | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
خالد |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 510 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو الياس0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1464 مساهمة في هذا المنتدى في 1369 موضوع
دخول
الرؤى موضوع الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً ؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعل
صفحة 1 من اصل 1
الرؤى موضوع الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً ؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيَّته، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، رسول الخلق
والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلِّ، وسلم، وبارك
على سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وعلى ذريَّته، ومن والاه، ومن تبعه
إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما
علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما
علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل
باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها
الإخوة الكرام، موضوع دقيق، اخوةٌ كثر يسألونني عن هذا الموضوع ؛ موضوع
الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً
؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا
له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن
هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعلق بعلم الغيب.
الغيب
ـ أيها الإخوة الكرام ـ أنواع كثيرة، الله جل جلاله هو عالم الغيب
والشهادة، الشهادة ؛ هو الشيء الذي تشهده، والغيب ؛ الشيء الذي يغيب عنك،
هو عالم الغيب والشهادة، فعلم الغيب أنواع كثيرة نوع استأثر الله بعلمه،
لا يطلع عليه أحداً من خلقه، كائناً من كان من هذا الغيب ؛ الساعة الكبرى،
يوم القيامة، والساعة الصغرى موت الإنسان، قال تعالى:
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾
[سورة النمل]
حكمة الله من استئثاره بهذا العلم كي لا نتكل، من أجل أن نكون دوماً يقظين، دوماً مستقيمين، دوماً متهيئين لملاقاة الله عز وجل.
أما الغيب الثاني، هو الغيب الذي يعلم الله به رسله أحياناً، تأييداً لهم، وتصديقاً لدعوتهم، قال تعالى:
﴿عَالِمُ
الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً (27)﴾
[سورة الجن]
هذا غيب يمكن لبشر أن يعلمه، لا بذاته، ولكن بإعلام الله له.
هذا الغيب أنواع ثلاثة ؛ غيب الماضي، وغيب الحاضر، وغيب المستقبل، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ
مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾
[سورة آل عمران]
هذه
الأخبار عن الماضي السحيق، لم تكن أنت بينهم، ولم يأتك خبر عنهم، نحن
أعلمناك بهذا، وهذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، أما غيب
الحاضر، قال تعالى:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾
[سورة الأنفال]
الله جل جلاله، أنبأ النبي عليه الصلاة والسلام في مناسبات كثيرة جداً عن شيء يدبره له خصومه وهو لا يعلم، هذا غيب الحاضر.
وأما غيب المستقبل، قال تعالى:
﴿الم
(1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ
اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ
اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (6)﴾
[سورة الروم]
سيغلبون
في بضع سنين، فالله سبحانه وتعالى، أنبأ النبي عليه الصلاة والسلام عن غيب
الماضي، وعن غيب الحاضر، وعن غيب المستقبل، لكن هناك نوعاً من الغيب
استأثر الله به، لا يطلعه على أحداً من خلقه كائناً من كان.
وهناك
غيب يُسمى غيباً مجازاً، لأن الإنسان يمكن أن يستطلعه فإذا كان المنخفض
الجوي، متركزاً فوق قبرص، ومتجهاً باتجاه الشرق بسرعة مائة كيلو متر في
الساعة، فنحن في الأرصاد الجوية، نتنبأ بأن هناك منخفضاً جوياً سيصل إلينا
بعد يومين، وأنه سيتبعه نزول أمطار كذا وكذا، إلا أن هذا الغيب الذي يُسمى
مجازاً، غيباً وليس بغيب، الإنسان بإمكانه أن يكتشفه، ولكن اكتشافه على
غلبة الظن لا على غلبة اليقين، فكثيراً ما تنبؤوا بنزول أمطار، ولم تنزل
الأمطار.
حقيقة ينبغي أن نعلمها جميعاً
؛ هي أن الجن لا يعلمون الغيب ومئات الألوف، بل بضع الملايين من المسلمين
يعتقدون أن الجن تعلم الغيب، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَلَمَّا
قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا
دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ
الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي
الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) ﴾
[سورة سبأ]
هذه
مقدمة لموضوع الرؤى، الرؤى ـ أيها الإخوة ـ أفرط فيها قوم فجعلوها حجة في
الأحكام الشرعية، وفي تصحيح الأحاديث، وهذا إفراط، وغلو في الدين، وفرَّط
فيها آخرون، فأنكروا أنها كشف في حالة، وأنكروا بعض دلالاتها.
أما الشيء الذي اتفق عليه العلماء وهو: أن رؤيا الأنبياء إحدى طرق الوحي، وهي داخلة في قوله تعالى:
﴿وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ
إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) ﴾
[سورة الشورى]
قوله إلا وحياً يشمل الإلهام، كما يشمل الرؤيا في النوم، لهذا اعتبرت رؤيا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة في ذبح ولده وحياً، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)﴾
[سورة الصافات آية 102]
وحي وأمر يقتضي التنفيذ، هذا للأنبياء وحدهم..
أما
وحي الرؤيا كما وردت في السنة المطهرة، الإمام البخاري عقد في جامعه
الصحيح، كتاباً سماه كتاب التعبير، أورد فيه تسعةً وتسعين حديثاً صحيحاً،
من هذه الأحاديث، فعن أبي قتادة قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ،
وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا
يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ
شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ))
[أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي]
إذاً هناك فرق بادئ ذي بدء بين الرؤيا وبين الحلم.
ومن حديث أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك]
ولنا وقفة متأنية عند هذا الحديث..
ومن حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِذَا
رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ،
فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى
غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ،
فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا
لَا تَضُرُّهُ))
[أخرجه البخاري والترمذي وأحمد]
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَقُولُ
لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا
الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ))
[أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد ومالك]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي))
[أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد]
وفي رواية أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي))
[أخرجه البخاري وابن ماجة وأحمد]
وقفة متأنية عند بعض هذه الأحاديث..
من
الناس من ينكر الرؤيا الصادقة، ولا يرى فيها شيئاً إلا انعكاساً لما في
النفس حالة اليقظة، أو لما يختبئ في سراديب العقل الباطن هؤلاء غلاة
أنكروا دلالاتها، وأنكروا جانبها الإشراقي، وأنكروا جانبها الذي هو من
الله عز وجل.
وفي مقابل هؤلاء، من الناس
من يعتمدون في حياتهم على الرؤى كأنها وحي، وينتظرون في كل أمر رؤيا تدلهم
على الطريق، بل منهم من يجعلها حجة يستدل بها كما يستدل بالكتاب والسنة
والإجماع والقياس، أو في تصحيح الأحاديث، هذا باطل، وهذا غلو أيضاً..
الطرف الأول غالى، والطرف الثاني غالى، والحق وسط بين طرفين.
لا
نستطيع أن ننفي صدق بعض الرؤى، فهذا أمر أثبته القرآن الكريم، وأثبته
العلم، وأثبته الواقع، فحسبنا ما ذكر القرآن الكريم في سورة يوسف:
﴿إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ
كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)﴾
[سورة يوسف]
وفي رؤيا الملك:
﴿وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا
تَعْبُرُونَ (43) ﴾
[سورة يوسف]
ورؤيا السجينين:
﴿وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ
خَمْراً وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا
نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)﴾
[سورة يوسف]
وفي رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل المسجد الحرام آمناً، قال تعالى:
﴿لَقَدْ
صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) ﴾
[سورة الفتح]
هذه الرؤى أثبتها القرآن الكريم، ولا سبيل إلا إنكارها ومن أنكر شيئاً في كتاب الله فقد كفر..
أما
الحديث الذي رواه الإمام البخاري من أن الرؤيا الصادقة جزء من ست وأربعين
جزء من النبوة، هذا الحديث رواه الإمام البخاري عن أربعة من أصحاب رسول
الله، وقيل في شرح هذا الحديث: إن أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح،
وذلك مدة نصف عام، ثم انتقل إلى وحي اليقظة، مدة ثلاث وعشرين عاماً من حين
بعثته إلى يوم وفاته، فنسبة مدة الوحي عن طريق الرؤيا واحد إلى ستة
وأربعين، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
ولكن،
إياكم ـ أيها الإخوة ـ أن تفهموا من هذا الحديث أن الرؤيا الصادقة نبوة ؛
لأن هناك قاعدة أصولية تقول: إن إثبات الجزء لا يعني إثبات الكل، فمن قال
لا إله إلا الله، لا يُعد هذا أذان وليس القائل مؤذناً، مع أن لا إله إلا
الله جزء من الأذان، إثبات الجزء لا يعني إثبات الكل، ولكن الرؤيا الصادقة
تلتقي مع النبوة، في أنها كشف للحقيقة المغيبة عن الإنسان، وكأن الرؤيا
الصادقة نوع من إعلام الله عز وجل لهذا الإنسان أحياناً.. هذا الإنسان ليس
له صلة بهذا بأي جهة، بأي منبع، بأي منهل، بأي مسجد، والله سبحانه وتعالى
يريد أن يلفت نظره، يريه رؤيا واضحة جداً، لها دلالات واضحة جداً..
عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ))
[أخرجه ابن ماجة وأحمد والدارمي]
وقد
دلت الأحاديث الصحية، كما دل القرآن الكريم، في قصة يوسف وغيرها، على أن
من الرؤى ما يتكشف فيه للرائي بعض الغيب المستور، كما أن منها ما يتضمن
نوعاً من البشارة للمؤمن بما يسره، وقد تكون تحذيراً من معصية، أو من
غفلة، أو تنبيهاً لخير أو رشد.
يجب أن
نفرِّق بادئ ذي بدء بين الرؤيا الصادقة التي يراها الرجل الصالح، أو تُرى
له، وبين أضغاث الأحلام التي لا تعني شيئاً، إما أنها تعني اضطرابات
هضمية، وإما أنها تعني انعكاسات لما في حياة الإنسان فني ظاهره، أو أنها
تعني انعكاسات لما ينطوي عليه عقله الباطن.
ولكن
الشيء الذي أحب أن أنبه عليه، وأن أؤكد عليه، وأن أبرزه في هذه الخطبة، أن
الرؤيا، أية رؤيا لا يمكن أن تكون يوماً حجةً شرعية، ولا دليل يُتوصل
فيها، أو من خلالها إلى معرفة أحكام الدين، إنها نوع من الإعلام الإلهي
إلى بعض عباده، تبشيراً أو إنذاراً، أو تحذيراً، أو تضميناً.. الرؤيا مجرد
مبشرات، أو منبهات لتثبيت قلب المؤمنين، أو لتقوية عزائمهم، وليست مخدرات
يتعاطاها بعض السلبيين من الناس ؛ ليتخذوا منها تُكأةً للاتكالية الواهنة،
وللهروب من الواقع، أو للقعود عن مقاومة الفساد.
الرؤيا
بشارة، الرؤيا تحذير، الرؤيا تنبيه، الرؤيا إرشاد ليس خاضعاً للتداول، ليس
خاضعاً للنشر، ليس خاضعاً للتحدي، ليس حجةً شرعية، لا يستنبط منها حكم
شرعي، لا تتخذ حجة في تقييم إنسان، هذه بينك وبين الله.
النبي
عليه الصلاة والسلام حينما رأى في المنام أنه سيدخل المسجد الحرام آمناً،
عدها بشرى فقط، ومضى خطته، وجهاده سائراً على الدرب غير متوانٍ ولا
متثاقل، ولا مهمل لسنن الله تعالى. لا تعني أن تقعد، لا تعني أن تستسلم،
إنها بشارة..
أيها الإخوة الكرام، أول
شيء أحب أن أؤكد عليه ثانية أنها ليست حجة شرعية، الرؤيا لا تُعد دليلاً
شرعياً، ولا يحتج بها على جواز فعل، أو ترك فعل، ولا على منع واستحباب
بسبب أن الشرع قد حدد أدلة الأحكام في الكتاب والسنة، والإجماع والقياس،
ولم يجعل من أدلة أحكامه رؤيا زيد أو عبيد، من البشر غير المعصومين، قال
تعالى:
﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3)﴾
[سورة الأعراف]
وقال تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)﴾
[سورة المائدة]
أي واحذروا أن تطيعوا أحداً سواهم..
وقال تعالى:
﴿وَمَا
آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾
[سورة الحشر]
هذا هو الدليل الأول..
الدليل
الثاني على أن الرؤيا لا يمكن أن تكون حجة شرعية ؛ هي أن منابع الرؤيا
متعددة، منها ما هو رحماني، ومنها ما هو نفساني ومنها ما هو شيطاني، فمن
أين يأتي اليقين بأن رؤيا فلان هذه رحمانية، لا نفسانية، ولا شيطانية، ورد
في الحديث الشريف: ((الرؤيا ثلاثة، رؤيا من الله تعالى، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث الرجل نفسه في اليقظة، فيراه في المنام))
[أخرجه الترمذي وأحمد]
رحمانية، وأو نفسانية، أو شيطانية..
وفي حديث آخر عن ابن ماجة بسند صحيح:
((الرؤيا
ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في
يقظته فيراه في منامه، ومنها ما هو جزء من ست وأربعين جزءًا من النبوة))
أيها
الإخوة الكرام، كيف يمكن التمييز بين الأنواع الثلاثة، إلا بوضعها على
ميزان آخر هو ميزان الشرع.. أية رؤيا توضع على ميزان الشرع، رؤيا غير
الأنبياء لا عصمة لها، ولهذا وجب أن تُعرض على الوحي الصريح، فإن وافقه
عُمل بها، وإلا فلا..
إن ما يُسمى بالإشراق، ما يُسمى بالكشف، ما يُسمى بالرؤيا هذه يجب أن تخضع لميزان الشرق، قال تعض العرافين بالله: كل من رمى من يده ميزان الشريعة لحظة هلك..
دليل
ثالث على أن الرؤيا لا يمكن أن تكون حجة شرعية، هو أن النائم ليس من أهل
التحمل، وهو غير مأمون على ضبط ما رآه، ولذلك رُفع عن النائم التكليف..
إذا رُفع عنه التكليف كيف يتحمل في النوم ما لا يصح أن يكون مسؤولاً عنه
؟..
ورد في صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ قَالَ:
((جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، قَالَ:
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِذَا
لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ
النَّاسَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: إِذَا لُعِبَ بِأَحَدِكُمْ
وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيْطَانَ))
[أخرجه مسلم وابن ماجة واحمد]
شيء
رابع من الأدلة على عدم جواز أن يُعتد بالرؤيا كدليل شرعي هو أن الرؤيا هي
رموز في الأعم الأغلب، وقد تكون على خلاف ظاهرها، ولا يفطن إلى حقيقتها
إلا القليل من الناس، قال تعالى:
﴿رَبِّ قَدْ
آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101)﴾
[سورة يوسف]
أما حينما عرض الملك رؤياه على بعض من حوله:
﴿وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا
تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ
الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)﴾
[سورة يوسف]
إذاً هي رموز لا يعلمها إلا قلة من الناس.
الإمام مالك فيما يروى رأى ملك الموت، قال يا ملك الموت كم بقي لي من حياتي، فرفع ملك الموت يديه هكذا، وقال: خمس،
فلما استيقظ الإمام مالك وقع في أشد الحيرة، هل بقي له خمس سنوات، أم خمسة
أشهر، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، أم خمس دقائق ؟ كيف ؟.. فتوجه إلى
الإمام ابن سيرين رحمه الله تعالى، وكان مما برع في تفسير الرؤى، قال: يا
إمام رأيت كذا وكذا، فأجابه الإمام ابن سيرين، إن ملك الموت يقول لك: إن سؤالك هذا من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله..
ما كل إنسان يستطيع أن يفسر الرؤى تفسيراً صحيحاً.
الرؤيا
الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له هي تبشير، أو تحذير، أو تنبيه، لهذا
سماها النبي عليه الصلاة والسلام المبشرات فإذا وافقت حجة شرعية يُستأنس
بها، قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ
آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
[سورة يونس]
من هم أولياء الله..
﴿الَّذِينَ
آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
يعني
الله عز وجل يقوي عزيمتهم، يقوي تصميمهم، يعينهم على متاعب الحياة، رؤيا
يرونها فيها بشارة، فيها تطمين، هذه من الله عز وجل بشارة تقوي عزائمهم،
قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ
لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
[سورة يونس]
ورد أنه من البشرى في تفسير هذه الآية، من البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا يراها الرجل الصالح أو تُرى له.
أيها الإخوة الكرام، ما أردت من هذا الموضوع إلا أن نعتقد جازمين أن شرعنا يؤخذ من الكتاب والسنة، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾
[سورة المائدة]
لو
أن إنساناً فرضاً ادعى أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام وقد رفع عنه بعض
التكاليف، تُرد الرؤيا ويثبت الشرع، ديننا دين دليل دين نص، دين وحي من
السماء، فإذا سمحنا للرؤى أن تتلاعب بنا بعقائدنا، بأحكامنا الشرعية ضاع
ديننا، الرؤيا يُستأنس بها إذا وافقت حجة شرعية، الرؤيا بشارة، والرؤيا
تحذير.
إن كان الإنسان مستقيماً ورأى
رؤيا تسعده فهي بشارة من الله عز وجل، وإن لم يكن مستقيماً، ورأى بشارة
سارةً فهي تغرير من الشيطان، وإن كان غير مستقيم ورأى رؤيا تحزنه فهي من
الرحمن تنبيه وتحذير.
المعول عليه أن تكون حركتك اليومية موافقة لمنهج الله عز وجل.
أيها
الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن
عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا،
فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع
نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها
الإخوة الكرام، الرؤيا أحياناً تدلنا على حقيقة خطيرة، لو أن رجلين
مضطجعين على سرير، الشروط المادية واحدة، الغرفة واحدة، السرير واحد
الحرارة واحدة، البرودة واحدة، العشاء واحد، قد يرى أحدهما أنه في جنة،
فيبقى أسبوعاً أو أسبوعين مغموساً في سعادة لا توصف، وقد يرى الآخر وهو
على جنبه في السرير رؤيا مخيفة أنه مع وحش كاسر أو مع ثعبان خطير، فيمتلئ
قلبه رعباً ويصيح، وكلاهما مستقر على سرير في غرفة واحدة وفي أجواء
متشابه، والطعام واحد هذا يدلنا على أن للإنسان حياةً نفسية بمعزل عن
شروطه المادية، هذا يدل على أن للإنسان حياةً روحية، هذه الحياة هي التي
تسعده وهي التي تشقيه، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾
[سورة طه]
المعيشة
الضنك قد تكون في الانقباض النفسي، في الخوف في القلق، الدنيا بين يديك،
والمال وفير، وأنت في أقوى مركز ومع ذلك على الرغم من أن الدنيا بين يديك
قد يشقي الله هذه النفس، وقد تكون الدنيا بعيدة عن متناول يديك، لكن الله
يسعدك، قال تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ﴾
[سورة النحل]
الإمام
ابن سيرين هذا التابعي الجليل الذي برع في تفسير الرؤى سئل مرةً عن أناس
كلما سمعوا القرآن الكريم وقعوا مغشياً عليهم.. ما هذا الخشوع ؟! ما هذا
التأثر ؟!.. فقال هذا الإمام الذكي: إن القرآن الكريم يوقظ العقول، وينبهها،
هؤلاء مدعون يوهمون الناس أنهم صالحون، وليس من الصلاح أن تُصرع عند سماع
القرآن فتقع على الأرض، بل من الصلاح أن تقرأه، وأن تتدبره، وأن تفهمه وأن
تعمل به قولاً وعملاً، فقال هذا الإمام الجليل لو أنكم أوقفتموهم على حائط مرتفع ضيق، وتلوتم عليهم القرآن الكريم لما وقعوا مغشياً عليهم..
هم
حينما يقعون على الأرض يطمئنون، الأرض قريبة، أما إذا أوقفتموهم على جدار
مرتفع، وضيق، وتلوتم عليهم القرآن الكريم لما وقعوا، هذا القرآن إنما
أنزله الله كي نقرأه، وكي نفهمه، وكي نتدبر آياته، وكي نعمل به، أما هذه
المظاهر الفارغة، التي لا تقدم ولا تؤخر ليست من الدين في شيء.
آية كريمة أحب أن أضعها بين أيديكم وهي الحل للمسلمين، قال تعال:
﴿لَهُ
مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً
فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
[سورة الرعد]
الظروف القاسية التي أحاطت بالمسلم، هذه الظروف لن تتغير ولن تتبدل إلا إذا غير المسلمون ما بأنفسهم.
طبق أوامر الشرع، أقبل على الله، أدى العبادات إن لم يغير الله لا يغير ؛ لأن الله عز وجل يقول بعد أن قال:
﴿وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (55)﴾
[سورة النور]
قال:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
[سورة مريم]
الدعاء:
اللهم انصر إخوتنا في الأراضي المحتلة على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين.
اللهم
انصرهم على أنفسهم، حتى يستحقوا النصر على أعدائهم، اللهم اجعل تدمير
أعدائهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى.
اللهم
أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا
آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت
راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم
إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ
بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم
صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من
أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض
والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم
بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام والمسلمين، وأعز
المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير
وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيَّته، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، رسول الخلق
والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلِّ، وسلم، وبارك
على سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وعلى ذريَّته، ومن والاه، ومن تبعه
إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما
علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما
علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل
باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها
الإخوة الكرام، موضوع دقيق، اخوةٌ كثر يسألونني عن هذا الموضوع ؛ موضوع
الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً
؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا
له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن
هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعلق بعلم الغيب.
الغيب
ـ أيها الإخوة الكرام ـ أنواع كثيرة، الله جل جلاله هو عالم الغيب
والشهادة، الشهادة ؛ هو الشيء الذي تشهده، والغيب ؛ الشيء الذي يغيب عنك،
هو عالم الغيب والشهادة، فعلم الغيب أنواع كثيرة نوع استأثر الله بعلمه،
لا يطلع عليه أحداً من خلقه، كائناً من كان من هذا الغيب ؛ الساعة الكبرى،
يوم القيامة، والساعة الصغرى موت الإنسان، قال تعالى:
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾
[سورة النمل]
حكمة الله من استئثاره بهذا العلم كي لا نتكل، من أجل أن نكون دوماً يقظين، دوماً مستقيمين، دوماً متهيئين لملاقاة الله عز وجل.
أما الغيب الثاني، هو الغيب الذي يعلم الله به رسله أحياناً، تأييداً لهم، وتصديقاً لدعوتهم، قال تعالى:
﴿عَالِمُ
الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً (27)﴾
[سورة الجن]
هذا غيب يمكن لبشر أن يعلمه، لا بذاته، ولكن بإعلام الله له.
هذا الغيب أنواع ثلاثة ؛ غيب الماضي، وغيب الحاضر، وغيب المستقبل، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ
مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾
[سورة آل عمران]
هذه
الأخبار عن الماضي السحيق، لم تكن أنت بينهم، ولم يأتك خبر عنهم، نحن
أعلمناك بهذا، وهذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، أما غيب
الحاضر، قال تعالى:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾
[سورة الأنفال]
الله جل جلاله، أنبأ النبي عليه الصلاة والسلام في مناسبات كثيرة جداً عن شيء يدبره له خصومه وهو لا يعلم، هذا غيب الحاضر.
وأما غيب المستقبل، قال تعالى:
﴿الم
(1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ
اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ
اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (6)﴾
[سورة الروم]
سيغلبون
في بضع سنين، فالله سبحانه وتعالى، أنبأ النبي عليه الصلاة والسلام عن غيب
الماضي، وعن غيب الحاضر، وعن غيب المستقبل، لكن هناك نوعاً من الغيب
استأثر الله به، لا يطلعه على أحداً من خلقه كائناً من كان.
وهناك
غيب يُسمى غيباً مجازاً، لأن الإنسان يمكن أن يستطلعه فإذا كان المنخفض
الجوي، متركزاً فوق قبرص، ومتجهاً باتجاه الشرق بسرعة مائة كيلو متر في
الساعة، فنحن في الأرصاد الجوية، نتنبأ بأن هناك منخفضاً جوياً سيصل إلينا
بعد يومين، وأنه سيتبعه نزول أمطار كذا وكذا، إلا أن هذا الغيب الذي يُسمى
مجازاً، غيباً وليس بغيب، الإنسان بإمكانه أن يكتشفه، ولكن اكتشافه على
غلبة الظن لا على غلبة اليقين، فكثيراً ما تنبؤوا بنزول أمطار، ولم تنزل
الأمطار.
حقيقة ينبغي أن نعلمها جميعاً
؛ هي أن الجن لا يعلمون الغيب ومئات الألوف، بل بضع الملايين من المسلمين
يعتقدون أن الجن تعلم الغيب، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَلَمَّا
قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا
دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ
الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي
الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) ﴾
[سورة سبأ]
هذه
مقدمة لموضوع الرؤى، الرؤى ـ أيها الإخوة ـ أفرط فيها قوم فجعلوها حجة في
الأحكام الشرعية، وفي تصحيح الأحاديث، وهذا إفراط، وغلو في الدين، وفرَّط
فيها آخرون، فأنكروا أنها كشف في حالة، وأنكروا بعض دلالاتها.
أما الشيء الذي اتفق عليه العلماء وهو: أن رؤيا الأنبياء إحدى طرق الوحي، وهي داخلة في قوله تعالى:
﴿وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ
إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) ﴾
[سورة الشورى]
قوله إلا وحياً يشمل الإلهام، كما يشمل الرؤيا في النوم، لهذا اعتبرت رؤيا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة في ذبح ولده وحياً، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)﴾
[سورة الصافات آية 102]
وحي وأمر يقتضي التنفيذ، هذا للأنبياء وحدهم..
أما
وحي الرؤيا كما وردت في السنة المطهرة، الإمام البخاري عقد في جامعه
الصحيح، كتاباً سماه كتاب التعبير، أورد فيه تسعةً وتسعين حديثاً صحيحاً،
من هذه الأحاديث، فعن أبي قتادة قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ،
وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا
يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ
شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ))
[أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي]
إذاً هناك فرق بادئ ذي بدء بين الرؤيا وبين الحلم.
ومن حديث أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك]
ولنا وقفة متأنية عند هذا الحديث..
ومن حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِذَا
رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ،
فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى
غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ،
فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا
لَا تَضُرُّهُ))
[أخرجه البخاري والترمذي وأحمد]
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَقُولُ
لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا
الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ))
[أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد ومالك]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي))
[أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد]
وفي رواية أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي))
[أخرجه البخاري وابن ماجة وأحمد]
وقفة متأنية عند بعض هذه الأحاديث..
من
الناس من ينكر الرؤيا الصادقة، ولا يرى فيها شيئاً إلا انعكاساً لما في
النفس حالة اليقظة، أو لما يختبئ في سراديب العقل الباطن هؤلاء غلاة
أنكروا دلالاتها، وأنكروا جانبها الإشراقي، وأنكروا جانبها الذي هو من
الله عز وجل.
وفي مقابل هؤلاء، من الناس
من يعتمدون في حياتهم على الرؤى كأنها وحي، وينتظرون في كل أمر رؤيا تدلهم
على الطريق، بل منهم من يجعلها حجة يستدل بها كما يستدل بالكتاب والسنة
والإجماع والقياس، أو في تصحيح الأحاديث، هذا باطل، وهذا غلو أيضاً..
الطرف الأول غالى، والطرف الثاني غالى، والحق وسط بين طرفين.
لا
نستطيع أن ننفي صدق بعض الرؤى، فهذا أمر أثبته القرآن الكريم، وأثبته
العلم، وأثبته الواقع، فحسبنا ما ذكر القرآن الكريم في سورة يوسف:
﴿إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ
كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)﴾
[سورة يوسف]
وفي رؤيا الملك:
﴿وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا
تَعْبُرُونَ (43) ﴾
[سورة يوسف]
ورؤيا السجينين:
﴿وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ
خَمْراً وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا
نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)﴾
[سورة يوسف]
وفي رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل المسجد الحرام آمناً، قال تعالى:
﴿لَقَدْ
صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) ﴾
[سورة الفتح]
هذه الرؤى أثبتها القرآن الكريم، ولا سبيل إلا إنكارها ومن أنكر شيئاً في كتاب الله فقد كفر..
أما
الحديث الذي رواه الإمام البخاري من أن الرؤيا الصادقة جزء من ست وأربعين
جزء من النبوة، هذا الحديث رواه الإمام البخاري عن أربعة من أصحاب رسول
الله، وقيل في شرح هذا الحديث: إن أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح،
وذلك مدة نصف عام، ثم انتقل إلى وحي اليقظة، مدة ثلاث وعشرين عاماً من حين
بعثته إلى يوم وفاته، فنسبة مدة الوحي عن طريق الرؤيا واحد إلى ستة
وأربعين، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
ولكن،
إياكم ـ أيها الإخوة ـ أن تفهموا من هذا الحديث أن الرؤيا الصادقة نبوة ؛
لأن هناك قاعدة أصولية تقول: إن إثبات الجزء لا يعني إثبات الكل، فمن قال
لا إله إلا الله، لا يُعد هذا أذان وليس القائل مؤذناً، مع أن لا إله إلا
الله جزء من الأذان، إثبات الجزء لا يعني إثبات الكل، ولكن الرؤيا الصادقة
تلتقي مع النبوة، في أنها كشف للحقيقة المغيبة عن الإنسان، وكأن الرؤيا
الصادقة نوع من إعلام الله عز وجل لهذا الإنسان أحياناً.. هذا الإنسان ليس
له صلة بهذا بأي جهة، بأي منبع، بأي منهل، بأي مسجد، والله سبحانه وتعالى
يريد أن يلفت نظره، يريه رؤيا واضحة جداً، لها دلالات واضحة جداً..
عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ))
[أخرجه ابن ماجة وأحمد والدارمي]
وقد
دلت الأحاديث الصحية، كما دل القرآن الكريم، في قصة يوسف وغيرها، على أن
من الرؤى ما يتكشف فيه للرائي بعض الغيب المستور، كما أن منها ما يتضمن
نوعاً من البشارة للمؤمن بما يسره، وقد تكون تحذيراً من معصية، أو من
غفلة، أو تنبيهاً لخير أو رشد.
يجب أن
نفرِّق بادئ ذي بدء بين الرؤيا الصادقة التي يراها الرجل الصالح، أو تُرى
له، وبين أضغاث الأحلام التي لا تعني شيئاً، إما أنها تعني اضطرابات
هضمية، وإما أنها تعني انعكاسات لما في حياة الإنسان فني ظاهره، أو أنها
تعني انعكاسات لما ينطوي عليه عقله الباطن.
ولكن
الشيء الذي أحب أن أنبه عليه، وأن أؤكد عليه، وأن أبرزه في هذه الخطبة، أن
الرؤيا، أية رؤيا لا يمكن أن تكون يوماً حجةً شرعية، ولا دليل يُتوصل
فيها، أو من خلالها إلى معرفة أحكام الدين، إنها نوع من الإعلام الإلهي
إلى بعض عباده، تبشيراً أو إنذاراً، أو تحذيراً، أو تضميناً.. الرؤيا مجرد
مبشرات، أو منبهات لتثبيت قلب المؤمنين، أو لتقوية عزائمهم، وليست مخدرات
يتعاطاها بعض السلبيين من الناس ؛ ليتخذوا منها تُكأةً للاتكالية الواهنة،
وللهروب من الواقع، أو للقعود عن مقاومة الفساد.
الرؤيا
بشارة، الرؤيا تحذير، الرؤيا تنبيه، الرؤيا إرشاد ليس خاضعاً للتداول، ليس
خاضعاً للنشر، ليس خاضعاً للتحدي، ليس حجةً شرعية، لا يستنبط منها حكم
شرعي، لا تتخذ حجة في تقييم إنسان، هذه بينك وبين الله.
النبي
عليه الصلاة والسلام حينما رأى في المنام أنه سيدخل المسجد الحرام آمناً،
عدها بشرى فقط، ومضى خطته، وجهاده سائراً على الدرب غير متوانٍ ولا
متثاقل، ولا مهمل لسنن الله تعالى. لا تعني أن تقعد، لا تعني أن تستسلم،
إنها بشارة..
أيها الإخوة الكرام، أول
شيء أحب أن أؤكد عليه ثانية أنها ليست حجة شرعية، الرؤيا لا تُعد دليلاً
شرعياً، ولا يحتج بها على جواز فعل، أو ترك فعل، ولا على منع واستحباب
بسبب أن الشرع قد حدد أدلة الأحكام في الكتاب والسنة، والإجماع والقياس،
ولم يجعل من أدلة أحكامه رؤيا زيد أو عبيد، من البشر غير المعصومين، قال
تعالى:
﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3)﴾
[سورة الأعراف]
وقال تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)﴾
[سورة المائدة]
أي واحذروا أن تطيعوا أحداً سواهم..
وقال تعالى:
﴿وَمَا
آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾
[سورة الحشر]
هذا هو الدليل الأول..
الدليل
الثاني على أن الرؤيا لا يمكن أن تكون حجة شرعية ؛ هي أن منابع الرؤيا
متعددة، منها ما هو رحماني، ومنها ما هو نفساني ومنها ما هو شيطاني، فمن
أين يأتي اليقين بأن رؤيا فلان هذه رحمانية، لا نفسانية، ولا شيطانية، ورد
في الحديث الشريف: ((الرؤيا ثلاثة، رؤيا من الله تعالى، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث الرجل نفسه في اليقظة، فيراه في المنام))
[أخرجه الترمذي وأحمد]
رحمانية، وأو نفسانية، أو شيطانية..
وفي حديث آخر عن ابن ماجة بسند صحيح:
((الرؤيا
ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في
يقظته فيراه في منامه، ومنها ما هو جزء من ست وأربعين جزءًا من النبوة))
أيها
الإخوة الكرام، كيف يمكن التمييز بين الأنواع الثلاثة، إلا بوضعها على
ميزان آخر هو ميزان الشرع.. أية رؤيا توضع على ميزان الشرع، رؤيا غير
الأنبياء لا عصمة لها، ولهذا وجب أن تُعرض على الوحي الصريح، فإن وافقه
عُمل بها، وإلا فلا..
إن ما يُسمى بالإشراق، ما يُسمى بالكشف، ما يُسمى بالرؤيا هذه يجب أن تخضع لميزان الشرق، قال تعض العرافين بالله: كل من رمى من يده ميزان الشريعة لحظة هلك..
دليل
ثالث على أن الرؤيا لا يمكن أن تكون حجة شرعية، هو أن النائم ليس من أهل
التحمل، وهو غير مأمون على ضبط ما رآه، ولذلك رُفع عن النائم التكليف..
إذا رُفع عنه التكليف كيف يتحمل في النوم ما لا يصح أن يكون مسؤولاً عنه
؟..
ورد في صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ قَالَ:
((جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، قَالَ:
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِذَا
لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ
النَّاسَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: إِذَا لُعِبَ بِأَحَدِكُمْ
وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيْطَانَ))
[أخرجه مسلم وابن ماجة واحمد]
شيء
رابع من الأدلة على عدم جواز أن يُعتد بالرؤيا كدليل شرعي هو أن الرؤيا هي
رموز في الأعم الأغلب، وقد تكون على خلاف ظاهرها، ولا يفطن إلى حقيقتها
إلا القليل من الناس، قال تعالى:
﴿رَبِّ قَدْ
آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101)﴾
[سورة يوسف]
أما حينما عرض الملك رؤياه على بعض من حوله:
﴿وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا
تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ
الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)﴾
[سورة يوسف]
إذاً هي رموز لا يعلمها إلا قلة من الناس.
الإمام مالك فيما يروى رأى ملك الموت، قال يا ملك الموت كم بقي لي من حياتي، فرفع ملك الموت يديه هكذا، وقال: خمس،
فلما استيقظ الإمام مالك وقع في أشد الحيرة، هل بقي له خمس سنوات، أم خمسة
أشهر، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، أم خمس دقائق ؟ كيف ؟.. فتوجه إلى
الإمام ابن سيرين رحمه الله تعالى، وكان مما برع في تفسير الرؤى، قال: يا
إمام رأيت كذا وكذا، فأجابه الإمام ابن سيرين، إن ملك الموت يقول لك: إن سؤالك هذا من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله..
ما كل إنسان يستطيع أن يفسر الرؤى تفسيراً صحيحاً.
الرؤيا
الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له هي تبشير، أو تحذير، أو تنبيه، لهذا
سماها النبي عليه الصلاة والسلام المبشرات فإذا وافقت حجة شرعية يُستأنس
بها، قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ
آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
[سورة يونس]
من هم أولياء الله..
﴿الَّذِينَ
آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
يعني
الله عز وجل يقوي عزيمتهم، يقوي تصميمهم، يعينهم على متاعب الحياة، رؤيا
يرونها فيها بشارة، فيها تطمين، هذه من الله عز وجل بشارة تقوي عزائمهم،
قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ
لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
[سورة يونس]
ورد أنه من البشرى في تفسير هذه الآية، من البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا يراها الرجل الصالح أو تُرى له.
أيها الإخوة الكرام، ما أردت من هذا الموضوع إلا أن نعتقد جازمين أن شرعنا يؤخذ من الكتاب والسنة، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾
[سورة المائدة]
لو
أن إنساناً فرضاً ادعى أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام وقد رفع عنه بعض
التكاليف، تُرد الرؤيا ويثبت الشرع، ديننا دين دليل دين نص، دين وحي من
السماء، فإذا سمحنا للرؤى أن تتلاعب بنا بعقائدنا، بأحكامنا الشرعية ضاع
ديننا، الرؤيا يُستأنس بها إذا وافقت حجة شرعية، الرؤيا بشارة، والرؤيا
تحذير.
إن كان الإنسان مستقيماً ورأى
رؤيا تسعده فهي بشارة من الله عز وجل، وإن لم يكن مستقيماً، ورأى بشارة
سارةً فهي تغرير من الشيطان، وإن كان غير مستقيم ورأى رؤيا تحزنه فهي من
الرحمن تنبيه وتحذير.
المعول عليه أن تكون حركتك اليومية موافقة لمنهج الله عز وجل.
أيها
الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن
عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا،
فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع
نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها
الإخوة الكرام، الرؤيا أحياناً تدلنا على حقيقة خطيرة، لو أن رجلين
مضطجعين على سرير، الشروط المادية واحدة، الغرفة واحدة، السرير واحد
الحرارة واحدة، البرودة واحدة، العشاء واحد، قد يرى أحدهما أنه في جنة،
فيبقى أسبوعاً أو أسبوعين مغموساً في سعادة لا توصف، وقد يرى الآخر وهو
على جنبه في السرير رؤيا مخيفة أنه مع وحش كاسر أو مع ثعبان خطير، فيمتلئ
قلبه رعباً ويصيح، وكلاهما مستقر على سرير في غرفة واحدة وفي أجواء
متشابه، والطعام واحد هذا يدلنا على أن للإنسان حياةً نفسية بمعزل عن
شروطه المادية، هذا يدل على أن للإنسان حياةً روحية، هذه الحياة هي التي
تسعده وهي التي تشقيه، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾
[سورة طه]
المعيشة
الضنك قد تكون في الانقباض النفسي، في الخوف في القلق، الدنيا بين يديك،
والمال وفير، وأنت في أقوى مركز ومع ذلك على الرغم من أن الدنيا بين يديك
قد يشقي الله هذه النفس، وقد تكون الدنيا بعيدة عن متناول يديك، لكن الله
يسعدك، قال تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ﴾
[سورة النحل]
الإمام
ابن سيرين هذا التابعي الجليل الذي برع في تفسير الرؤى سئل مرةً عن أناس
كلما سمعوا القرآن الكريم وقعوا مغشياً عليهم.. ما هذا الخشوع ؟! ما هذا
التأثر ؟!.. فقال هذا الإمام الذكي: إن القرآن الكريم يوقظ العقول، وينبهها،
هؤلاء مدعون يوهمون الناس أنهم صالحون، وليس من الصلاح أن تُصرع عند سماع
القرآن فتقع على الأرض، بل من الصلاح أن تقرأه، وأن تتدبره، وأن تفهمه وأن
تعمل به قولاً وعملاً، فقال هذا الإمام الجليل لو أنكم أوقفتموهم على حائط مرتفع ضيق، وتلوتم عليهم القرآن الكريم لما وقعوا مغشياً عليهم..
هم
حينما يقعون على الأرض يطمئنون، الأرض قريبة، أما إذا أوقفتموهم على جدار
مرتفع، وضيق، وتلوتم عليهم القرآن الكريم لما وقعوا، هذا القرآن إنما
أنزله الله كي نقرأه، وكي نفهمه، وكي نتدبر آياته، وكي نعمل به، أما هذه
المظاهر الفارغة، التي لا تقدم ولا تؤخر ليست من الدين في شيء.
آية كريمة أحب أن أضعها بين أيديكم وهي الحل للمسلمين، قال تعال:
﴿لَهُ
مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً
فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
[سورة الرعد]
الظروف القاسية التي أحاطت بالمسلم، هذه الظروف لن تتغير ولن تتبدل إلا إذا غير المسلمون ما بأنفسهم.
طبق أوامر الشرع، أقبل على الله، أدى العبادات إن لم يغير الله لا يغير ؛ لأن الله عز وجل يقول بعد أن قال:
﴿وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (55)﴾
[سورة النور]
قال:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
[سورة مريم]
الدعاء:
اللهم انصر إخوتنا في الأراضي المحتلة على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين.
اللهم
انصرهم على أنفسهم، حتى يستحقوا النصر على أعدائهم، اللهم اجعل تدمير
أعدائهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى.
اللهم
أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا
آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت
راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم
إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ
بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم
صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من
أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض
والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم
بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام والمسلمين، وأعز
المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير
وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
خادم الصالحين- عضو راقي
- عدد المساهمات : 1064
نقاط : 3198
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 23/01/2012
مواضيع مماثلة
» تفسير الرؤى : آ- من خلال القرآن وبعض القواعد في تفسير الرؤيا
» الرؤى الصالحة : - علم الغيب و ما منا أحد على الإطلاق إلا إذا ألقى رأسه على الوسادة تمنّى أن يرى رؤيا صالحة سارّة، و يستيقظ صبيحة تلك الليلة. ويتساءل ماذا تعني هذه الرؤيا ؟
» الأمانة وأداءها ، كيف نقنع الناس بهذا الدين العظيم و الجهاد البنائي – لابد أن نعيش مع الآخرين ونتواصل معهم:
» أن أصل الدين معرفة الله إن عرفته تفانيت في طاعته أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في التفلت من الأمر
» المحاددة تجعل حداً بين الحق والباطل.و تطابق الدين العظيم مع الفطرةو أحد أسباب سعادة المؤمن
» الرؤى الصالحة : - علم الغيب و ما منا أحد على الإطلاق إلا إذا ألقى رأسه على الوسادة تمنّى أن يرى رؤيا صالحة سارّة، و يستيقظ صبيحة تلك الليلة. ويتساءل ماذا تعني هذه الرؤيا ؟
» الأمانة وأداءها ، كيف نقنع الناس بهذا الدين العظيم و الجهاد البنائي – لابد أن نعيش مع الآخرين ونتواصل معهم:
» أن أصل الدين معرفة الله إن عرفته تفانيت في طاعته أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في التفلت من الأمر
» المحاددة تجعل حداً بين الحق والباطل.و تطابق الدين العظيم مع الفطرةو أحد أسباب سعادة المؤمن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 05, 2017 8:59 pm من طرف خادم الصالحين
» الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:38 pm من طرف خادم الصالحين
» الغضب إياك أن تتخذ قراراً وأنت غاضب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:36 pm من طرف خادم الصالحين
» ليس بين العبد وربِّه وسيط
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:31 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة الدائمة والسعادة المؤقتة
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:29 pm من طرف خادم الصالحين
» شروط استجابة الدعاء
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:28 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة والشقاء مصدرها القلب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:24 pm من طرف خادم الصالحين
» أكبر عقاب يصيب الإنسان في الدنيا
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:21 pm من طرف خادم الصالحين
» لعقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - : اسم الله القريب
الأحد أكتوبر 29, 2017 10:16 pm من طرف خادم الصالحين
» شوفو شغلي الجديد
السبت أكتوبر 28, 2017 12:36 am من طرف عقبة