المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
الحر | ||||
طوق الياسمين | ||||
خالد |
المواضيع الأكثر شعبية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 290 بتاريخ الخميس أكتوبر 03, 2024 9:09 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
طوق الياسمين | ||||
الحر | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
خالد |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 510 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو الياس0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1464 مساهمة في هذا المنتدى في 1369 موضوع
دخول
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ولا يحكم غير شرع الله، ولا يعبد إلا الله
صفحة 1 من اصل 1
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ولا يحكم غير شرع الله، ولا يعبد إلا الله
بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله،
سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم،
وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه
إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً،
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و
اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك
الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن
وحول الشهوات إلى جنات القربات.
حركة الإنسان في الحياة
1 – دافع الطعام والشراب والجنس وتأكيد الذات:
أيها الإخوة الكرام، عودة إلى الموضوع المتسلسل، الموضوع المتعلق بالبيع والشراء.
الإنسان
كما تعلمون كائن متحرك، وليس سكونياً، لأن الله أودع فيه دوافع كثيرة من
أبرزها الدافع إلى الطعام والشراب، وهذا الدافع يقتضي أن يتحرك ليأكل،
ودافع إلى الجنس، وهذا الدافع يقتضي إلى الزواج يقتضي إلى أن يبحث عن
زوجة، والدافع الثالث متعلق بالآخرة، دافع تأكيد الذات ليكون شيئاً
مذكوراً، هذه الدوافع تجعله كائناً متحركاً.
2 – الحركة الإنسانية إما لهدف دنيوي أو لهدف أخروي:
لكن
هذه الحركة إما أن تكون إلى الجنة، وإما أن تكون إلى النار، فبعد أن يؤمن
الإيمان الذي يحمله على طاعة الله، وبعد أن يؤمن بالآخرة الإيمان الذي
يمنعه أن يؤذي مخلوقاً، يريد أن يأكل ويشرب فيتحرك.
الآن
أوسع نشاط بشري بعد معرفة سر الوجود وغاية الوجود أوسع نشاط بشري بعد
تغذية العقل بالغذاء الكافي هو البيع والشراء، وقد أفردت عدة خطب عن البيع
والشراء، وها أنا أتابع، ولكن هناك مقدمة:
بين يدي نشاط البيع والشراء
1 ـ الوقوع في الحرام أصالة وتبيعةً:
إذا
أكل الإنسان المسلم لحم الخنزير فقد وقع في شيء محرم تحريماً قطعياً بنص
القرآن الكريم، يقول العلماء: " لحم الخنزير محرم لذاته "، لو أنّ إنسانا
دخل إلى مطعم، وطلب طعاماً حلالاً، لكنه استطاع أن يخرج من دون أن يدفع
الثمن فقد وقع في حرام آخر، لكن الحرام الأول شيء، والحرام الآخر شيء آخر،
أكل لحم الخنزير محرم لذاته، أما أكل اللحم الحلال من دون أن يدفع الثمن
فمحرم لغيره، اللحم حلال، لكن لأنك لم تدفع الثمن أصبح هذا الطعام حراماً
لعدم دفع ثمنه.
2 ـ غض البصر وعلاقته بالبيع والشراء:
الآن
هناك موضوع متعلق بالبيع والشراء، لكن لا علاقة له بالبيع والشراء، لا
علاقة له لا بالغش، ولا بالتدليس، ولا بالكذب، ولا برفع السعر، ولا
بالاستغلال، ولا بالاحتكار، ولا بتلقي الركبان، متعلق بإطلاق البصر، أو غض
البصر، فيما إذا كانت التي تشتري امرأة.
3 – القلبُ ملِك الأعضاء كلِّها فلابد مِن سلامته:
لذلك
أيها الأخ الكريم والحبيب، إن في الجسد عضواً صغير الحجم، بقدر مضغة
الطعام، جليل القدر، هو في جسدك كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها
عن أمره، ويستعملها فيما يشاء، فكلها تحت سيطرته وقهره، وتكتسب منه
الاستقامة والزيغ، وتتبعه فيما يعقده، أو يحله، فإن صلح صَلح الجسد كله،
وإن فسد فَسد الجسد كله، إن هذا العضو الخطير هو القلب، وقد قال الله عز
وجل:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
[ سورة الشعراء]
4 – ما هو القلبُ السليم ؟
والقلب
السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض
مع وحي الله، ولا يحكم غير شرع الله، ولا يعبد إلا الله.
أيها الإخوة الكرام، سلامتك في الدنيا، وسعادتك في الدنيا، وسعادتك في الآخرة متعلقة بسلامة قلبك، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
[ سورة الشعراء]
وقد قال الله جل جلاله:
﴿
أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي
بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِنْهَا (122) ﴾
[ سورة الأنعام]
أيها الإخوة الكرام، إن صح اعتقادك، واستقام سلوكك فأنت سليم القلب، وأنت بالتعبير الآخر حي في قلبك، قال تعالى:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾
[ سورة الأنعام]
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
<< يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
أيها
الإخوة الكرام، سلامة العقيدة، ومعرفة سر الوجود، وغاية الوجود يعد نوراً
ألقي في قلبك، ترى فيه الخير خيراً والشر شراً، ترى به الحق حقاً والباطل
باطلاً، ترى به الجميل جميلاً الجمال المعنوي والقبيح قبيحاً.
أيها الإخوة الكرام، القلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه، وأبغضها، دققوا في قوله تعالى:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (110) ﴾
[ سورة آل عمران]
لمَ
سمي المعروف معروفاً ؟ لأن القلب السليم يدركه بفطرته من دون تعليم، ولمَ
سمي المنكر منكراً ؟ لأن القلب السليم ينكر المنكر بفطرته من دون تعليم.
5 – ما هو القلبُ المريضُ ؟
أيها
الإخوة الكرام، أما القلب المحجوب عن الله فقد يرى الخير شراً، والشر
خيراً، قد يرى المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، من هنا كان دعاء النبي
عليه الصلاة والسلام: اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل
باطلاً، وارزقنا اجتنابه.
وأزمة أهل النار في النار أزمة رؤية،
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ﴾
[ سورة الملك: 10 ]
أزمة علم، وفي الإنسان حاجة عليا، هي طلب المعرفة، طلب الحقيقة.
أيها
الإخوة الكرام، القلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها، ولم يلتفت
إليها، بخلاف القلب الميت الذي لا يفرق بين الحسن والقبح، قال ابن مسعود
رضي الله عنه: << هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف، وينكر به المنكر >>.
إن القلب السليم هو القلب الصحيح الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، وهذا شرط الفلاح والفوز في ذلك اليوم العظيم،
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
أيها
الإخوة الكرام، القلب المريض إذا غلب عليه المرض التحق بالميت، وإن غلبت
عليه الصحة التحق بالسليم، فهذا القلب له حياة، وبه علة، ففيه من محبة
الله سبحانه وتعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة
حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر
والعجب ما هو مادة هلاكه، وهو ممتحن بين داعيين ؛ داع يدعوه إلى الله
ورسوله والدار الآخر، وداع يدعوه إلى العاجلة.
أيها الإخوة الكرام، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: << تعاهد قلبك >>.
إنّ
حضارة الغرب بكل منجزاتها لا تتجاوز الجسم، راحة الجسم التكييف، التدفئة،
المركبات، الطعام، البيت المريح، الفراش المريح، الآلات، كل حضارة الغرب
من أجل راحة الجسد، مع أن الإنسان نفس وروح وجسد.
ارتياد النساء للأسواق بغير الضوابط الشرعية فتنةٌ وشرٌّ مستطير
أيها
الإخوة الكرام، الآن دخلنا في الموضوع، يرتاد النساء الأسواق، وهنّ
متبرجات، وكاسيات عاريات، ومائلات مميلات، لذلك دققوا، استعان بهن الشيطان
على فتنة البشر، فكنّ مِن أخلصِ جنوده وأعوانه، والنساء فتنة، وأية فتنة،
قال عليه الصلاة والسلام:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا
النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي
النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
والآن
تسعة من عشرة بيوت فيها زوجان وأولاد سبب الشقاء الزوجي والأسري أن امرأة
أخرى دخلت إلى حياة الزوج، إن كان بائعاً، أو كان شارياً، أو كان مديراً
لقسم، أو مؤسسة، وعنده موظفة، تسعة أعشار شقاء البيوت يأتي من امرأة دخلت
على الخط.
أيها الإخوة الكرام،
((
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا
النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي
النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
ويقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي: <<
لا تكوننّ إن استطعت أول من يدخل، ولا آخر من يخرج منه، فإنها معركة
الشيطان، وبها ينصب رايته، فالشيطان قد حطّ رحله في السوق، وجمع جنده
وأعوانه ليوقع العباد في مساخط الله حتى يكونوا تبعاً له في الدنيا
والآخرة، أدار المعركة عليهم، ورفع رايته، فمن اتبع خطواته ساقه أمامه،
ومن تذكر ربه، وكف جماح نفسه نجت بإذن الله >>.
البند الأول: إطلاق البصر رأس الرنا
أيها
الإخوة الأكارم، إن أعظم نافذة ينفذُ منها الشيطان إلى قلبك هي العين،
فهذه العين تزين لصاحبها المشاهد حتى تنقلها إلى القلب، فهي رأس الحواس،
وأخوف حواسك عليك، وأقربها إلى الاستيلاء على عقلك وقلبك، والعين رائد
القلب، وهي مبدأ الزنا، والعين تزني، وزناها النظر، والعياذ بالله، فحفظها
مهم جداً، وإن كثيراً من الناس يستهين بإطلاق نظره في المحرمات، والآفات
كلها من النظر تنشأ، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، وقد قال صلى
الله عليه وسلم لعلي، وهو من العفة والتقوى والهدى بمكان، (( يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ ))
[ الترمذي ]
فالنظرة
الأولى خاطفة، وليس لها أثر، أما الثانية فإن القلب يتنبه، والشيطان يعتور
القلب حتى يمكّن هذه النظرة في موقع في القلب تستقر الصورة.
أيها الإخوة الكرام، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ))
[ الترمذي ]
فالنظر
أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخاطرة، والخاطرة
تولد الفكر، ثم الفكرة تولد الشهوة، ثم الشهوة تولد الإرادة، وقد قيل: "
الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده "، لذلك قال الشاعر:
كل الحوادث مبدَاها من النـظر ومعظم النـار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس و الــوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلّبــه في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلتـــه ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بـالضــرر
***
أيها الإخوة، حقيقة دقيقة، من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر أكل على نفسه، ورب نظرة مهلكة.
أدخلت
موضوع غض البصر في موضوع البيع والشراء لأن معظم اللواتي يشترين حاجاتهن
في الأسواق كاسيات عاريات، مائلات مميلات، ليس عندهن ورع، يخضعن بالقول
فيطمع الذي في قلبه مرض، ولا سيما محلات الألبسة، محلات أدوات الزينة.
أنت تاجر تبيع وتشتري، ولكن إذا كان الذي يشتري من عندك من صنف النساء فعليك أن تغض البصر، وغض البصر جزء مهم جداً من تجارتك.
الأمر القرآني بغض البصر يهدف إلى إقامة المجتمع الطاهر
أيها الإخوة الكرام، الآية الكريمة:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
[ سورة النور]
وقد فهم بعض العلماء من هذه الآية أن طريق حفظ الفرج غض البصر.
﴿
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ (30) ﴾
[ سورة النور]
ولما
كان النظر داعية إلى فساد القلب فقد قال بعض السلف: النظر سهم مسموم إلى
القلب "، وقد أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث
إلى ذلك.
أيها الإخوة، إن الإسلام يهدف
إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، فعمليات الاستثارة
المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني، والأمراض التي وقع بها المجتمع الإسلامي
بسبب الهيجان، هيجان الشهوات، والتفلت، والفلتان، والفضائيات، والمرأة
التي تبدي كل مفاتنها في الطريق، وفي الأسواق، وفي المدارس، وفي الجامعات،
وفي الدوائر، وفي الإنترنت، وفي الفضائيات، وفي الصحف، وفي المجلات، هذه
الإثارة المستمرة تؤدي إلى سعار جنسي ينتهي بانحرافات خطيرة، والله لو
تعلمون بعضها لخرجتم من جلودكم.
فوائد غض البصر عن الحرام
أيها الإخوة الكرام، إن غض البصر عما لا يجوز النظر إليه له فوائد كثيرة:
أولاً:
إنه
امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة الإنسان في دنياه وأخراه، وما سعد من
سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أمر الله عز وجل، وما شقي من شقي في
الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامر الله عز وجل.
ثانيا:
غض
البصر يمنع وصول السهم المسموم، هؤلاء الذين قالوا: " السهم المسموم "
بُلغاء جداً، لأن السهم غير المسموم يؤذي مكاناً واحداً في الجسد، أما
السهم المسموم فيسري في الدم، فيؤذي كل مناشط الحياة.
إن
الطالب إذا أطلق بصره لا يستطيع أن يركز، وكذا التاجر والموظف، فإذا أطلق
الإنسان بصره ضعف تركيزه، وتشتت بين هذه المناظر، وبين الحسرات والتمنيات،
وكانت هذه المرأة التي تبرز كل مفاتنها آثمة إثماً يعلمه الله عز وجل.
ثالثا:
شيء آخر، إنه يورث القلب أنساً بالله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه.
رابعًا:
من غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه.
خامسًا:
إنه يقوي القلب، ويفرحه بطاعة الله كما أن إطلاق البصر يضعف القلب، ويجعله حزيناً بالحجاب بينه وبين الله.
سادسًا:
إن
غض البصر يكسب القلب نوراً، كما أن إطلاق البصر يكسب القلب ظلمة، وإذا
استنار القلب أقبلت عليه وفود الخيرات من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت
عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان.
سابعًا:
إنه
يفرغ القلب بالتفكر في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك،
ويحول بينه وبينها، فتتشعب عليه الأمور، ويضعف تركيزه، (( مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ
اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ
يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ
الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي
قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ))
[ ابن ماجه ]
البند الثاني: الخلوة بالأجنبية
دقق
في العدسة، إن وضعت العدسة فوق جريدة، وجعلت الجريدة في محرق العدسة تحترق
الجريدة بأشعة الشمس، لكن ضع جريدة تحت أشعة الشمس ساعات طويلة لا تحترق،
ماذا فعلته العدسة ؟ جمعت الأشعة في بؤرة واحدة، لذلك المؤمن إذا غض بصره
جمعت طاقاته وإمكاناته ونشاطاته في بؤرة واحدة فتفوق.
أيها الإخوة الكرام،
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
[ سورة الكهف]
إطلاق البصر، إطاعة من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتباع للهوى، وكان الأمر مشتتاً.
أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
النبي
عليه الصلاة والسلام سيد البلغاء عليه أتم الصلاة والسلام، ما قال: ما خلا
فاسق، ما قال: ما خلا كافر، قال: ما خلا رجل، أيّ رجل بامرأة إلا كان
الشيطان ثالثهما.
وفي موضوع الزنا الآية الكريمة:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
[ سورة الإسراء: 32 ]
لأن
هذه المعصية لها وهج، ولها قوة جذب، فإذا أبقيت بينك وبينها هامش أمان
أساسه غض البصر، والبعد عن طرقات ممتلئة بنساء كاسيات عاريات، والبعد عن
عمل كل، من يشتري منك من النساء المتفلتات، فإذا ابتعدت عن هذه المعصية،
وأبقيت بينك وبينها هامش أمان نجوت من فتنتهنّ، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا (187) ﴾
[ سورة البقرة]
أبقِ
بينك وبين هذه المعصية هامش أمان، لا تصحب الأراذل، وصحبة الأراذل تجرح
العدالة، لا تتنزه في الطرقات، لا تقرأ شيئاً لا يرضي الله، لا تشاهد
شيئاً لا يرضي الله، لا تصغِ إلى قصة لا ترضي الله، حينما تضع بينك وبين
هذه المعصية هامش أمان فأنت في حفظ الله، وفي رعايته، وأنت في ظله.
أيها
الإخوة الكرام، إن الشيطان ينتظر هذه اللحظة التي تخلو فيها بامرأة ليزين
لك ولها الفاحشة، فإذا ما حدثت، وخلوت بامرأة عن أعين الناس فانتبه أن
الله يراك، ويعلم سرك ونجواك.
حقيقة علمية فانتبهوا لها
أيها
الأخوة الكرام، في بحث علمي يؤيد أن هذا الإنسان أحياناً تستثار شهوته،
هناك مادة يفرزها الدماغ تعطل محاكمته، وقد يقع الإنسان في شرك امرأة لا
تساوي واحد بالمئة من زوجته، لكن لما خلا بها، واستثيرت شهوته تعطلت
محاكمته، وهذا وقع فيه أعلى إنسان في المجتمع الغربي في البيت الأبيض،
ونشرت الفضائح على الإنترنت بألفي صفحة، الخلوة تعطل المحاكمة، فلذلك:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
أول بند: إياك وإطلاق البصر، البند الثاني: إياك والخلوة بامرأة أجنبية لا تحل لك، ولو أنها تريد أن تشتري.
عليك رقيب في الخلوة فاحذر
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عنه يغيــب
***
واعلم أن عليك شاهدين لا يغيبان:
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ﴾
[ سورة الانفطار]
ويوم القيامة يقال لهذا الإنسان:
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) ﴾
[ سورة الإسراء]
أيها الإخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((
لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا
نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ،
وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ
إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ ابن ماجه ]
البند الثالث: اتقوا مواضع التهم والريبة
أيها الإخوة الكرام، البند الثالث: اتقِ مواضع التهم، أكرم نفسك، واحفظها عن كل موضع قد يساء بك الظن.
الآن أنت طاهر عفيف ملَك، لكن لا تضع نفسك موضع تتهم فيه.
جاءتك صديقة زوجتك، وزوجتك ليست في البيت، قلت لها: تفضلي، وأنت عفيف طاهر، وذهبت إلى غرفة أخرى، لكن هذا الوضع قد يضعك موضع التهمة.
أول شيء: غض البصر، وثاني شيء: إياك أن تخلو بامرأة، وثالث شيء: إياك أن تضع نفسك في موضع تهمة.
إذا
كان عندك امرأة تشتري، وانتهى وقت دوام المحل، فإياك أن تقفل المحل إلى أن
ينتهي البيع، وضعت نفسك موضع شبهة وتهمة، فإذا وضعت نفسك في موضع تهمة لا
تلوم الناس إذا اتهموك، واجهد أن تفعل فعلاً ليس له تفسيران، وإن كان لا
بد له من تفسيرين فبلّغ وبيِّن، النبي عليه الصلاة والسلام جاءت إليه صفيه
زوجته، وهو في معتكفه في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم
قامت تنقلب، معنى تنقلب تعود إلى بيتها، فقام عليه الصلاة والسلام معها
يقلبها، رافقها إلى بيته، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر
رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما
النبي عليه الصلاة والسلام : على رسلكما، انتظرا، إنما هي صفية بنت حيي،
فقالا: سبحان الله يا رسول الله !!! وكبر عليهما ما قال النبي لهما، فقال
عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ))
[ متفق عليه ]
غُضَّ
البصر، وإياك أن تخلو بامرأة، وإياك أن تضع نفسك موضع تهمة، لأن فضائح
الأرض تندرج في نوعين فقط، فضيحة جنسية، وفضيحة مالية، واقرأ كل الفضائح
التي تنشرها الصحف والمجلات، لا تزيد كل فضائح البشر على الجنس والمال،
لذلك قال علي ابن أبي طالب: << إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره >>.
وقال ابن الجوزي: " من له نفس لا يقف في مقام تهمة لئلا يظن به ".
البند الرابع: المحافظة على أعراض المسلمين
البند الرابع في هذه الخطبة حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم، ولعلي أرجئ هذا البند إلى خطبة قادمة إن شاء الله تعالى.
أيها
الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن
عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا،
فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع
نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله،
سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم،
وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه
إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً،
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و
اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك
الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن
وحول الشهوات إلى جنات القربات.
حركة الإنسان في الحياة
1 – دافع الطعام والشراب والجنس وتأكيد الذات:
أيها الإخوة الكرام، عودة إلى الموضوع المتسلسل، الموضوع المتعلق بالبيع والشراء.
الإنسان
كما تعلمون كائن متحرك، وليس سكونياً، لأن الله أودع فيه دوافع كثيرة من
أبرزها الدافع إلى الطعام والشراب، وهذا الدافع يقتضي أن يتحرك ليأكل،
ودافع إلى الجنس، وهذا الدافع يقتضي إلى الزواج يقتضي إلى أن يبحث عن
زوجة، والدافع الثالث متعلق بالآخرة، دافع تأكيد الذات ليكون شيئاً
مذكوراً، هذه الدوافع تجعله كائناً متحركاً.
2 – الحركة الإنسانية إما لهدف دنيوي أو لهدف أخروي:
لكن
هذه الحركة إما أن تكون إلى الجنة، وإما أن تكون إلى النار، فبعد أن يؤمن
الإيمان الذي يحمله على طاعة الله، وبعد أن يؤمن بالآخرة الإيمان الذي
يمنعه أن يؤذي مخلوقاً، يريد أن يأكل ويشرب فيتحرك.
الآن
أوسع نشاط بشري بعد معرفة سر الوجود وغاية الوجود أوسع نشاط بشري بعد
تغذية العقل بالغذاء الكافي هو البيع والشراء، وقد أفردت عدة خطب عن البيع
والشراء، وها أنا أتابع، ولكن هناك مقدمة:
بين يدي نشاط البيع والشراء
1 ـ الوقوع في الحرام أصالة وتبيعةً:
إذا
أكل الإنسان المسلم لحم الخنزير فقد وقع في شيء محرم تحريماً قطعياً بنص
القرآن الكريم، يقول العلماء: " لحم الخنزير محرم لذاته "، لو أنّ إنسانا
دخل إلى مطعم، وطلب طعاماً حلالاً، لكنه استطاع أن يخرج من دون أن يدفع
الثمن فقد وقع في حرام آخر، لكن الحرام الأول شيء، والحرام الآخر شيء آخر،
أكل لحم الخنزير محرم لذاته، أما أكل اللحم الحلال من دون أن يدفع الثمن
فمحرم لغيره، اللحم حلال، لكن لأنك لم تدفع الثمن أصبح هذا الطعام حراماً
لعدم دفع ثمنه.
2 ـ غض البصر وعلاقته بالبيع والشراء:
الآن
هناك موضوع متعلق بالبيع والشراء، لكن لا علاقة له بالبيع والشراء، لا
علاقة له لا بالغش، ولا بالتدليس، ولا بالكذب، ولا برفع السعر، ولا
بالاستغلال، ولا بالاحتكار، ولا بتلقي الركبان، متعلق بإطلاق البصر، أو غض
البصر، فيما إذا كانت التي تشتري امرأة.
3 – القلبُ ملِك الأعضاء كلِّها فلابد مِن سلامته:
لذلك
أيها الأخ الكريم والحبيب، إن في الجسد عضواً صغير الحجم، بقدر مضغة
الطعام، جليل القدر، هو في جسدك كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها
عن أمره، ويستعملها فيما يشاء، فكلها تحت سيطرته وقهره، وتكتسب منه
الاستقامة والزيغ، وتتبعه فيما يعقده، أو يحله، فإن صلح صَلح الجسد كله،
وإن فسد فَسد الجسد كله، إن هذا العضو الخطير هو القلب، وقد قال الله عز
وجل:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
[ سورة الشعراء]
4 – ما هو القلبُ السليم ؟
والقلب
السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض
مع وحي الله، ولا يحكم غير شرع الله، ولا يعبد إلا الله.
أيها الإخوة الكرام، سلامتك في الدنيا، وسعادتك في الدنيا، وسعادتك في الآخرة متعلقة بسلامة قلبك، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
[ سورة الشعراء]
وقد قال الله جل جلاله:
﴿
أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي
بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِنْهَا (122) ﴾
[ سورة الأنعام]
أيها الإخوة الكرام، إن صح اعتقادك، واستقام سلوكك فأنت سليم القلب، وأنت بالتعبير الآخر حي في قلبك، قال تعالى:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾
[ سورة الأنعام]
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
<< يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
أيها
الإخوة الكرام، سلامة العقيدة، ومعرفة سر الوجود، وغاية الوجود يعد نوراً
ألقي في قلبك، ترى فيه الخير خيراً والشر شراً، ترى به الحق حقاً والباطل
باطلاً، ترى به الجميل جميلاً الجمال المعنوي والقبيح قبيحاً.
أيها الإخوة الكرام، القلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه، وأبغضها، دققوا في قوله تعالى:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (110) ﴾
[ سورة آل عمران]
لمَ
سمي المعروف معروفاً ؟ لأن القلب السليم يدركه بفطرته من دون تعليم، ولمَ
سمي المنكر منكراً ؟ لأن القلب السليم ينكر المنكر بفطرته من دون تعليم.
5 – ما هو القلبُ المريضُ ؟
أيها
الإخوة الكرام، أما القلب المحجوب عن الله فقد يرى الخير شراً، والشر
خيراً، قد يرى المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، من هنا كان دعاء النبي
عليه الصلاة والسلام: اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل
باطلاً، وارزقنا اجتنابه.
وأزمة أهل النار في النار أزمة رؤية،
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ﴾
[ سورة الملك: 10 ]
أزمة علم، وفي الإنسان حاجة عليا، هي طلب المعرفة، طلب الحقيقة.
أيها
الإخوة الكرام، القلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها، ولم يلتفت
إليها، بخلاف القلب الميت الذي لا يفرق بين الحسن والقبح، قال ابن مسعود
رضي الله عنه: << هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف، وينكر به المنكر >>.
إن القلب السليم هو القلب الصحيح الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، وهذا شرط الفلاح والفوز في ذلك اليوم العظيم،
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
أيها
الإخوة الكرام، القلب المريض إذا غلب عليه المرض التحق بالميت، وإن غلبت
عليه الصحة التحق بالسليم، فهذا القلب له حياة، وبه علة، ففيه من محبة
الله سبحانه وتعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة
حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر
والعجب ما هو مادة هلاكه، وهو ممتحن بين داعيين ؛ داع يدعوه إلى الله
ورسوله والدار الآخر، وداع يدعوه إلى العاجلة.
أيها الإخوة الكرام، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: << تعاهد قلبك >>.
إنّ
حضارة الغرب بكل منجزاتها لا تتجاوز الجسم، راحة الجسم التكييف، التدفئة،
المركبات، الطعام، البيت المريح، الفراش المريح، الآلات، كل حضارة الغرب
من أجل راحة الجسد، مع أن الإنسان نفس وروح وجسد.
ارتياد النساء للأسواق بغير الضوابط الشرعية فتنةٌ وشرٌّ مستطير
أيها
الإخوة الكرام، الآن دخلنا في الموضوع، يرتاد النساء الأسواق، وهنّ
متبرجات، وكاسيات عاريات، ومائلات مميلات، لذلك دققوا، استعان بهن الشيطان
على فتنة البشر، فكنّ مِن أخلصِ جنوده وأعوانه، والنساء فتنة، وأية فتنة،
قال عليه الصلاة والسلام:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا
النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي
النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
والآن
تسعة من عشرة بيوت فيها زوجان وأولاد سبب الشقاء الزوجي والأسري أن امرأة
أخرى دخلت إلى حياة الزوج، إن كان بائعاً، أو كان شارياً، أو كان مديراً
لقسم، أو مؤسسة، وعنده موظفة، تسعة أعشار شقاء البيوت يأتي من امرأة دخلت
على الخط.
أيها الإخوة الكرام،
((
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا
النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي
النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
ويقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي: <<
لا تكوننّ إن استطعت أول من يدخل، ولا آخر من يخرج منه، فإنها معركة
الشيطان، وبها ينصب رايته، فالشيطان قد حطّ رحله في السوق، وجمع جنده
وأعوانه ليوقع العباد في مساخط الله حتى يكونوا تبعاً له في الدنيا
والآخرة، أدار المعركة عليهم، ورفع رايته، فمن اتبع خطواته ساقه أمامه،
ومن تذكر ربه، وكف جماح نفسه نجت بإذن الله >>.
البند الأول: إطلاق البصر رأس الرنا
أيها
الإخوة الأكارم، إن أعظم نافذة ينفذُ منها الشيطان إلى قلبك هي العين،
فهذه العين تزين لصاحبها المشاهد حتى تنقلها إلى القلب، فهي رأس الحواس،
وأخوف حواسك عليك، وأقربها إلى الاستيلاء على عقلك وقلبك، والعين رائد
القلب، وهي مبدأ الزنا، والعين تزني، وزناها النظر، والعياذ بالله، فحفظها
مهم جداً، وإن كثيراً من الناس يستهين بإطلاق نظره في المحرمات، والآفات
كلها من النظر تنشأ، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، وقد قال صلى
الله عليه وسلم لعلي، وهو من العفة والتقوى والهدى بمكان، (( يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ ))
[ الترمذي ]
فالنظرة
الأولى خاطفة، وليس لها أثر، أما الثانية فإن القلب يتنبه، والشيطان يعتور
القلب حتى يمكّن هذه النظرة في موقع في القلب تستقر الصورة.
أيها الإخوة الكرام، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ))
[ الترمذي ]
فالنظر
أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخاطرة، والخاطرة
تولد الفكر، ثم الفكرة تولد الشهوة، ثم الشهوة تولد الإرادة، وقد قيل: "
الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده "، لذلك قال الشاعر:
كل الحوادث مبدَاها من النـظر ومعظم النـار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس و الــوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلّبــه في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلتـــه ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بـالضــرر
***
أيها الإخوة، حقيقة دقيقة، من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر أكل على نفسه، ورب نظرة مهلكة.
أدخلت
موضوع غض البصر في موضوع البيع والشراء لأن معظم اللواتي يشترين حاجاتهن
في الأسواق كاسيات عاريات، مائلات مميلات، ليس عندهن ورع، يخضعن بالقول
فيطمع الذي في قلبه مرض، ولا سيما محلات الألبسة، محلات أدوات الزينة.
أنت تاجر تبيع وتشتري، ولكن إذا كان الذي يشتري من عندك من صنف النساء فعليك أن تغض البصر، وغض البصر جزء مهم جداً من تجارتك.
الأمر القرآني بغض البصر يهدف إلى إقامة المجتمع الطاهر
أيها الإخوة الكرام، الآية الكريمة:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
[ سورة النور]
وقد فهم بعض العلماء من هذه الآية أن طريق حفظ الفرج غض البصر.
﴿
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ (30) ﴾
[ سورة النور]
ولما
كان النظر داعية إلى فساد القلب فقد قال بعض السلف: النظر سهم مسموم إلى
القلب "، وقد أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث
إلى ذلك.
أيها الإخوة، إن الإسلام يهدف
إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، فعمليات الاستثارة
المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني، والأمراض التي وقع بها المجتمع الإسلامي
بسبب الهيجان، هيجان الشهوات، والتفلت، والفلتان، والفضائيات، والمرأة
التي تبدي كل مفاتنها في الطريق، وفي الأسواق، وفي المدارس، وفي الجامعات،
وفي الدوائر، وفي الإنترنت، وفي الفضائيات، وفي الصحف، وفي المجلات، هذه
الإثارة المستمرة تؤدي إلى سعار جنسي ينتهي بانحرافات خطيرة، والله لو
تعلمون بعضها لخرجتم من جلودكم.
فوائد غض البصر عن الحرام
أيها الإخوة الكرام، إن غض البصر عما لا يجوز النظر إليه له فوائد كثيرة:
أولاً:
إنه
امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة الإنسان في دنياه وأخراه، وما سعد من
سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أمر الله عز وجل، وما شقي من شقي في
الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامر الله عز وجل.
ثانيا:
غض
البصر يمنع وصول السهم المسموم، هؤلاء الذين قالوا: " السهم المسموم "
بُلغاء جداً، لأن السهم غير المسموم يؤذي مكاناً واحداً في الجسد، أما
السهم المسموم فيسري في الدم، فيؤذي كل مناشط الحياة.
إن
الطالب إذا أطلق بصره لا يستطيع أن يركز، وكذا التاجر والموظف، فإذا أطلق
الإنسان بصره ضعف تركيزه، وتشتت بين هذه المناظر، وبين الحسرات والتمنيات،
وكانت هذه المرأة التي تبرز كل مفاتنها آثمة إثماً يعلمه الله عز وجل.
ثالثا:
شيء آخر، إنه يورث القلب أنساً بالله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه.
رابعًا:
من غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه.
خامسًا:
إنه يقوي القلب، ويفرحه بطاعة الله كما أن إطلاق البصر يضعف القلب، ويجعله حزيناً بالحجاب بينه وبين الله.
سادسًا:
إن
غض البصر يكسب القلب نوراً، كما أن إطلاق البصر يكسب القلب ظلمة، وإذا
استنار القلب أقبلت عليه وفود الخيرات من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت
عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان.
سابعًا:
إنه
يفرغ القلب بالتفكر في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك،
ويحول بينه وبينها، فتتشعب عليه الأمور، ويضعف تركيزه، (( مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ
اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ
يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ
الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي
قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ))
[ ابن ماجه ]
البند الثاني: الخلوة بالأجنبية
دقق
في العدسة، إن وضعت العدسة فوق جريدة، وجعلت الجريدة في محرق العدسة تحترق
الجريدة بأشعة الشمس، لكن ضع جريدة تحت أشعة الشمس ساعات طويلة لا تحترق،
ماذا فعلته العدسة ؟ جمعت الأشعة في بؤرة واحدة، لذلك المؤمن إذا غض بصره
جمعت طاقاته وإمكاناته ونشاطاته في بؤرة واحدة فتفوق.
أيها الإخوة الكرام،
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
[ سورة الكهف]
إطلاق البصر، إطاعة من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتباع للهوى، وكان الأمر مشتتاً.
أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
النبي
عليه الصلاة والسلام سيد البلغاء عليه أتم الصلاة والسلام، ما قال: ما خلا
فاسق، ما قال: ما خلا كافر، قال: ما خلا رجل، أيّ رجل بامرأة إلا كان
الشيطان ثالثهما.
وفي موضوع الزنا الآية الكريمة:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
[ سورة الإسراء: 32 ]
لأن
هذه المعصية لها وهج، ولها قوة جذب، فإذا أبقيت بينك وبينها هامش أمان
أساسه غض البصر، والبعد عن طرقات ممتلئة بنساء كاسيات عاريات، والبعد عن
عمل كل، من يشتري منك من النساء المتفلتات، فإذا ابتعدت عن هذه المعصية،
وأبقيت بينك وبينها هامش أمان نجوت من فتنتهنّ، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا (187) ﴾
[ سورة البقرة]
أبقِ
بينك وبين هذه المعصية هامش أمان، لا تصحب الأراذل، وصحبة الأراذل تجرح
العدالة، لا تتنزه في الطرقات، لا تقرأ شيئاً لا يرضي الله، لا تشاهد
شيئاً لا يرضي الله، لا تصغِ إلى قصة لا ترضي الله، حينما تضع بينك وبين
هذه المعصية هامش أمان فأنت في حفظ الله، وفي رعايته، وأنت في ظله.
أيها
الإخوة الكرام، إن الشيطان ينتظر هذه اللحظة التي تخلو فيها بامرأة ليزين
لك ولها الفاحشة، فإذا ما حدثت، وخلوت بامرأة عن أعين الناس فانتبه أن
الله يراك، ويعلم سرك ونجواك.
حقيقة علمية فانتبهوا لها
أيها
الأخوة الكرام، في بحث علمي يؤيد أن هذا الإنسان أحياناً تستثار شهوته،
هناك مادة يفرزها الدماغ تعطل محاكمته، وقد يقع الإنسان في شرك امرأة لا
تساوي واحد بالمئة من زوجته، لكن لما خلا بها، واستثيرت شهوته تعطلت
محاكمته، وهذا وقع فيه أعلى إنسان في المجتمع الغربي في البيت الأبيض،
ونشرت الفضائح على الإنترنت بألفي صفحة، الخلوة تعطل المحاكمة، فلذلك:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
أول بند: إياك وإطلاق البصر، البند الثاني: إياك والخلوة بامرأة أجنبية لا تحل لك، ولو أنها تريد أن تشتري.
عليك رقيب في الخلوة فاحذر
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عنه يغيــب
***
واعلم أن عليك شاهدين لا يغيبان:
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ﴾
[ سورة الانفطار]
ويوم القيامة يقال لهذا الإنسان:
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) ﴾
[ سورة الإسراء]
أيها الإخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((
لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا
نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ،
وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ
إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ ابن ماجه ]
البند الثالث: اتقوا مواضع التهم والريبة
أيها الإخوة الكرام، البند الثالث: اتقِ مواضع التهم، أكرم نفسك، واحفظها عن كل موضع قد يساء بك الظن.
الآن أنت طاهر عفيف ملَك، لكن لا تضع نفسك موضع تتهم فيه.
جاءتك صديقة زوجتك، وزوجتك ليست في البيت، قلت لها: تفضلي، وأنت عفيف طاهر، وذهبت إلى غرفة أخرى، لكن هذا الوضع قد يضعك موضع التهمة.
أول شيء: غض البصر، وثاني شيء: إياك أن تخلو بامرأة، وثالث شيء: إياك أن تضع نفسك في موضع تهمة.
إذا
كان عندك امرأة تشتري، وانتهى وقت دوام المحل، فإياك أن تقفل المحل إلى أن
ينتهي البيع، وضعت نفسك موضع شبهة وتهمة، فإذا وضعت نفسك في موضع تهمة لا
تلوم الناس إذا اتهموك، واجهد أن تفعل فعلاً ليس له تفسيران، وإن كان لا
بد له من تفسيرين فبلّغ وبيِّن، النبي عليه الصلاة والسلام جاءت إليه صفيه
زوجته، وهو في معتكفه في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم
قامت تنقلب، معنى تنقلب تعود إلى بيتها، فقام عليه الصلاة والسلام معها
يقلبها، رافقها إلى بيته، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر
رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما
النبي عليه الصلاة والسلام : على رسلكما، انتظرا، إنما هي صفية بنت حيي،
فقالا: سبحان الله يا رسول الله !!! وكبر عليهما ما قال النبي لهما، فقال
عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ))
[ متفق عليه ]
غُضَّ
البصر، وإياك أن تخلو بامرأة، وإياك أن تضع نفسك موضع تهمة، لأن فضائح
الأرض تندرج في نوعين فقط، فضيحة جنسية، وفضيحة مالية، واقرأ كل الفضائح
التي تنشرها الصحف والمجلات، لا تزيد كل فضائح البشر على الجنس والمال،
لذلك قال علي ابن أبي طالب: << إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره >>.
وقال ابن الجوزي: " من له نفس لا يقف في مقام تهمة لئلا يظن به ".
البند الرابع: المحافظة على أعراض المسلمين
البند الرابع في هذه الخطبة حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم، ولعلي أرجئ هذا البند إلى خطبة قادمة إن شاء الله تعالى.
أيها
الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن
عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا،
فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع
نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
خادم الصالحين- عضو راقي
- عدد المساهمات : 1064
نقاط : 3198
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 23/01/2012
مواضيع مماثلة
» كما أننا نشحن هواتفنا الخلوية دوريا كي تستمر بالعمل، كيف يمكننا أن نشحن أنفسنا شحنا يوميا أو أسبوعيا؟ وكيف يمكننا أن نتفوق في الحياة؟-اقرأ باسم ربك والفرق الكبير بين الذي تعلم كتاب الله وبين الذي جهله :
» الذي يظن أن الله أجبره على المعصية ثم قدر عليه النار إلى أبد الآبدين هذا الإنسان يسيء الظن بالله عز وجل
» السيدة زينب المخزومية ام المؤمنين رضى الله عنها و ام المساكين وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
» السيدة ماريه القبطيه ام المؤمنين رضى الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبها
» الله أكبر كلمة الله أكبر تصدح بها المآذن، تلهج بها القلوب، يرددها المسلمون في اليوم عشرات المرات في صلواتهم، لكن ما حقيقة هذه الكلمة العظيمة "الله أكبر"؟
» الذي يظن أن الله أجبره على المعصية ثم قدر عليه النار إلى أبد الآبدين هذا الإنسان يسيء الظن بالله عز وجل
» السيدة زينب المخزومية ام المؤمنين رضى الله عنها و ام المساكين وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
» السيدة ماريه القبطيه ام المؤمنين رضى الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبها
» الله أكبر كلمة الله أكبر تصدح بها المآذن، تلهج بها القلوب، يرددها المسلمون في اليوم عشرات المرات في صلواتهم، لكن ما حقيقة هذه الكلمة العظيمة "الله أكبر"؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 05, 2017 8:59 pm من طرف خادم الصالحين
» الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:38 pm من طرف خادم الصالحين
» الغضب إياك أن تتخذ قراراً وأنت غاضب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:36 pm من طرف خادم الصالحين
» ليس بين العبد وربِّه وسيط
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:31 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة الدائمة والسعادة المؤقتة
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:29 pm من طرف خادم الصالحين
» شروط استجابة الدعاء
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:28 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة والشقاء مصدرها القلب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:24 pm من طرف خادم الصالحين
» أكبر عقاب يصيب الإنسان في الدنيا
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:21 pm من طرف خادم الصالحين
» لعقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - : اسم الله القريب
الأحد أكتوبر 29, 2017 10:16 pm من طرف خادم الصالحين
» شوفو شغلي الجديد
السبت أكتوبر 28, 2017 12:36 am من طرف عقبة