المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
الحر | ||||
طوق الياسمين | ||||
خالد |
المواضيع الأكثر شعبية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 85 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 85 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 290 بتاريخ الخميس أكتوبر 03, 2024 9:09 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
طوق الياسمين | ||||
الحر | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
خالد |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 510 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو الياس0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1464 مساهمة في هذا المنتدى في 1369 موضوع
دخول
الخلق
صفحة 1 من اصل 1
الخلق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، الإنسان كائن
متحرك ، لماذا يتحرك ؟ لأن هناك دوافع عديدة ، من أبرزها أودع الله فيه
رغبة في أن يأكل ويشرب ، وأودع الله فيه رغبة أن يتزوج ، وأودع فيه رغبة
ثالثة أن يكون متفوقاً ، فالدافع الأول حفاظاً على الوجود ، على وجوده ، و
الدافع الثاني حفاظاً على النوع البشري ، و الدافع الثالث حفاظاً على الذكر
سماه العلماء تأكيد الذات ، فالإنسان بدافع الطعام والشراب ، وبدافع
الزواج ، وبدافع التفوق هو مقرور في أن يتحرك ، و لولا هذه الدوافع لما
وجدت شيئاً على وجه الأرض ، كل هذا الذي تراه من معامل ، من مؤسسات ، من
طرق ، من جسور ، من جامعات ، تعود إلى هذه الدوافع الثلاثة ، وهذه الدوافع
حيادية .
إذاً : أستخلص من هذه المقدمة أن الإنسان له حركة في الحياة ، مِن هذه الحركة الخُلق ، لابد من مثل :
لو أن إنساناً سافر إلى بلد ، وليكن باريس ،
ونزل في أحد الفنادق ، واستيقظ في صبيحة اليوم الأول ، وسأل سؤالاً عجيباً
غريباً فقال : إلى أين أذهب ؟ نسأله نحن : لماذا أتيت إلى هنا ؟ إن جئت
طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف
والمتنزهات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، ماذا نستنبط ؟
أن حركة الإنسان في مكان ما لا تصح ، ولا تثمر إلا إذا عرف سر وجوده ،
وغاية وجوده .
أستاذ علاء ، أجري بحث علمي فوجد أن ثلاثة
بالمئة فقط من البشر يعرفون أهدافهم ، فإما أن ترسم لك هدفاً واضحاً ، وإما
أن تكون رقماً لا معنى له في خطة الطرف الآخر ، إما أن تخطط ، أو أن يُخطط
لك ، فهذا الإنسان الذي ذهب إلى باريس إذا كان هدفه واضحا جداً ، نيل
الدكتوراه مثلا ، الآن مليون جزئية من تصرفاته اليومية متعلقة بهذا الهدف ،
مثلاً : يستأجر بيتاً قريباً من الجامعة توفيراً للوقت والجهد والمال ،
يصاحب صديقاً يتقن اللغة الفرنسية ليتعلم منه ، يشتري مجلة متعلقة باختصاصه
، يأكل طعاماً يعينه على الدراسة ، حينما يتضح الهدف كل جزئيات الحياة ،
أو حركة الإنسان في الحياة مرتبطة بهذا الهدف .
الأستاذ علاء :
إذاً دكتور ، ساحته الحيوية التي يتحرك فيها هي مقيدة بالهدف .
صحة الحركة ثمن السلامة والسعادة :
الدكتور راتب :
إذاً : إن صحت حركةُ الإنسان سلم وسعد ، ولو
شققنا على صدر ستة آلاف مليون من بني البشر لما وجدت عندهم إلا طلب السلامة
والسعادة بمفهومهم طبعاً ، إذاً : من أين يأتي الشقاء ؟ من الجهل ، الجهل
أعدى أعداء الإنسان ، لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله
به ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ،
وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك
، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ،
فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، حتى إن أزمة أهل النار و هم في النار هي
العلم ، الدليل :
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ
[ سورة الملك : الآية 10]
فلذلك حينما يعرف الإنسان سر وجوده ، وغاية
وجوده تصح حركته ، فإن صحت سلم وسعد ، وهذا مطلب بشري ، مطلب إنساني ، ولا
يأتي الشقاء إلا من الجهل ، ذلك أن في الإنسان حاجات عليا ، وفيه حاجات
دنيا .
الحاجات الدنيا نحن وبقية المخلوقات فيها سواء ، لكن الحاجات العليا هي التي ميز الله بها الإنسان .
الأستاذ علاء :
من هنا أتى التكليف ؟
عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ
الدكتور راتب :
نعم :
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ
[ سورة الرحمن]
هناك سؤال يتبادر إلى الذهن : أيعقل في المنطق
أن يُعَلَّم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ أجاب بعض العلماء : هذا
الترتيب ليس ترتيباً زمنياً ، بل هو ترتيب رتبي ، بمعنى أن وجود الإنسان في
الدنيا لا معنى له من دون منهج يسير عليه .
سأضرب مثلاً : لو أتينا بجهاز ثمنه خمسين
مليوناً لتحليل الدم آلياً ، ولم يأتنا مع الجهاز تعليمات الصانع ، إن
استخدمناه من دون تعليمات أتلفناه ، وإن لم نستخدمه جمدنا ثمنه ، أليست
التعليمات أهم من الآلة ؟
أستاذ علاء ، الإنسان مفطور على حب ذاته ، على حب وجوده ، و على حب سلامة
وجوده ، وعلى حب كمال وجوده ، وعلى حب استمرار وجوده ، وهذا لا يتحقق إلا
إذا اتبع تعليمات الجهة الصانعة ، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي
ينبغي أن تتبع تعليماتها ، لا لأنك تعظمها هي عظيمة جداً ، ولا لأنك تحبها
هي محسنة جداً ، و لكن لأنك تحب ذاتك ، وانطلاقاً من محبة الإنسان لذاته ،
وحفاظاً على وجوده ، وسلامة وجوده ، واستمرار وجوده ، وكمال وجوده يتبع
تعليمات الصانع ، قال تعالى :
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
[ سورة فاطر : 14]
هذه نقطة ، إذاً لا تصح حركتي في الحياة إلا إذا عرفت سر وجودي ، وغاية وجودي .
متى يَسعَد الإنسان ؟
الآن متى أسعد ؟ لو أن طالباً على مشارف
امتحان مصيري ، امتحان التخرج ، وعنده أصعب المواد بعد يومين ، وجاء
أصدقاؤه الذين يحبهم ، وأخذوه إلى مكان جميل ، واستمتع بالمناظر الرائعة ،
وأكل أطيب الطعام يشعر بانقباض لا حدود له ، لماذا ؟ هو في مكان جميل ،
والطعام طيب ، وهؤلاء الذين حوله يحبهم ، لأن هذه الحركة لا تتناسب مع
غايته ، فلو جلس في غرفة قميئة ، وقرأ الكتاب المقرر ، واستوعبه لشعر براحة
ما بعدها راحة .
إذاً : يسعد الإنسان إذا جاءت حركته مرتبطة بهدفه .
أستاذ علاء ، التاجر الآن إذا لم يوجد بيع
وشراء بمكتبه الكولا والقهوة والشاي والصحف والمجلات يشعر بألم لا حدود له ،
أما إذا كان الموسم جيدا ، ونسي أن يأكل ، وبقي واقفاً عشر ساعات هو في
قمة السعادة .
تصح حركةُ الإنسان في الحياة إذا عرف سر وجوده ، ويسعد إذا جاءت هذه الحركة مطابقة لهدفه ، فالخلق هو الانضباط و العطاء .
الأستاذ علاء :
أي الانضباط والعطاء كوابح و دوافع .
الخُلق هو انضباط وعطاء وكوابح و دوافع :
الدكتور راتب :
أول كلمة سلبية : المؤمن لا يكذب ، يقول لك :
لا أكذب ، لا أقترف المعصية ، لا آكل مال غيري ، لا أعتدي على عرض غيري ،
كله لاءات ، أما العطاء فإيجابيات ، يعطي من وقته ، من ماله ، من خبرته ،
من اهتمامه ، من كل شيء منحه الله إياه ، فإذا أردنا أن نضغط الخلق كله
بكلمتين فهو الانضباط ، وطابعه سلبي ، والعطاء وطابعه إيجابي .
الأستاذ علاء :
دكتور راتب ، من خلال هذا التعريف ، وهذه
المقدمة الجميلة التي مشيت بنا في مسيرتها نقلة نقلة مع الأمثلة لتوصلنا
إلى الغاية في التعريف ، انضباط وعطاء ، الأول كوابح سلبي ، والثاني إيجابي
، هو لا يفعل ، لا كذا ، لا كذا ، لأنه يتمتع بالأخلاق ، لكن الأخلاق في
طرفها الآخر هي دوافع ، وحوامل نحو العطاء والخير ، والتقدم نحو الآخرين في
مد يد العون والمساعدة .
الآن هذا الانضباط والعطاء ، وهذا التعريف الذي أخذناه للبرنامج هل له صلة في القرآن والسنة وعند العلماء ؟
صلة الأخلاق بالعبادات الأخرى :
الدكتور راتب :
طبعاً ، أولاً أُخذ عنوان هذا البرنامج من قول
لعالم كبير جداً لعل معظم العلماء في عصر النهضة كانوا عالة على إنتاجه ،
هو ابن قيم الجوزية رحمه الله ، يقول : " الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك
في الخلق زاد عليك في الإيمان " .
فعنوان هذا البرنامج أخذ من قول لأكبر علماء المسلمين الذين تعد مؤلفاتهم مرجعاً كبيراً لكل الدعاة إلى الله .
الأستاذ علاء :
أنا لا أقطع التسلسل ، دكتور راتب ، إذاً " "
من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " ، نحن تصور الناس بشكل عام أن
الزيادة ومقياس الزيادة هي العبادة ، أن شخصاً أكثر من الآخر عبادة ، أكثر
من الآخر تهجداً ، أكثر من الآخر تمسكاً بأوقات الصلاة ، هذا التمايز ، لكن
من خلال كلام ابن القيم لاحظنا بأن الأخلاق هي مقياس الزيادة بكل معنى
الكلمة .
الدكتور راتب :
سأقدم لك الدليل ، العبادات خمسة :
1 – الشهادتان :
نبدأ بالنطق بالشهادة ، يقول عليه الصلاة و السلام :
(( من قال : لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))
[ الجامع الصغير ]
إذاً : كلمة الإسلام الأولى التي بها تدخل إلى الإسلام لا تصح ، ولا تقبل إلا إذا كانت ثمرتها الابتعاد عن كل معصية .
2 – الصلاة :
الصلاة التي هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، التي هي عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا :
الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا
مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ
عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ
فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ
فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا
أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي
النَّارِ ))
[ مسلم ، الترمذي ، أحمد ]
الأستاذ علاء :
مِن هنا يؤكد حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ))
[ الجامع الصغير ]
الدكتور راتب :
لأن الله قال :
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[ سورة العنكبوت : 45 ]
أستاذ علاء ، في الأديان الوضعية طقوس هي
حركات وسكنات ، وتمتمات وإيماءات ، و إيحاءات لا معنى لها ، وليست منطقية ،
لكن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أشار إلى أن العبادات في الإسلام
معللة بمصالح الخلق .
كلام رب العالمين :
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[ سورة العنكبوت : 45 ]
فهذا الحديث ربط الصلاة بالاستقامة .
حديث آخر ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا
فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ـ شيء عجيب ،
أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ـ قَالَ ثَوْبَانُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ
مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ
، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ،
وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا
))
[ ابن ماجه ]
سقطت عبادتهم .
الأستاذ علاء :
إذاً : العبادة لم تحجبهم أبداً عن المحارم ، وعن الأذى ، فبالتالي سقطت ، وذهبت هباء منثوراً .
الدكتور راتب :
هذه أكبر فرض عبادي ، عماد الدين ، هذه الصلاة
تسقط ، طبعاً أنا ماذا أقول ؟ أنا أقول كلاماً رائعاً : يجب أن تصلي ،
لأنها فرض ، ويجب أن يسبق الصلاة استقامة كي تقطف ثمارها ، ولن تقطف ثمار
الصلاة إن لم يسبقها استقامة .
3 – الحجُّ :
من حجّ بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب ،
وقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك
والملك ، لا شريك لك ، ينادى : أن لا لبيك ، ولا سعديك ، وحجك مردود عليك .
إذاً : الحج إن لم ترافقه توبة واستقامة لا يقبل .
4 – الصيام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ البخاري ، الترمذي أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش .
5 – الزكاة :
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
[ سورة التوبة : الآية 53]
الأستاذ علاء :
هذا الكلام سيدنا يقودنا إلى قضية هامة ، أن كل هذه العبادات مرتبطة بمؤدى تصبّ في خانة الأخلاق .
لا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية :
الدكتور راتب :
هذا الكلام يترتب عليه أن العبادات الشعائرية لا تقبل ، ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
قال أحد العلماء : لَتَرْكُ دانق من حرام ـ
والدانق سدس الدرهم ـ خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، والنبي عليه
الصلاة والسلام يقول :
(( والله ، لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا ))
[ الجامع الصغير ]
شيء لا بكاد يصدق ، لذلك العبادة لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
أستاذ علاء ، أنا مضطر لمثل آخر : نحن عندنا
عام دراسي فيه تسعة أشهر ، فيه دوام ، وانتباه للمعلم ، وكتابة وظائف ،
ومراجعة الدروس ، هذا النشاط كله أهمله الطالب ، فلم يداوم ، ولم ينتبه
للمدرس ، ولا كتب وظائفه ، ولا ذاكر ، جاء يوم الامتحان ومعه ستة أقلام في
جيبه ، معه مشروبات ساخنة حتى ينتعش ، معه أسبرين ، وكل أموره المادية
ميسرة ، لكن ماذا يكتب ؟ ما قيمة هذا الامتحان من دون دراسة ، ثلاث ساعات
الامتحان هي العبادة الشعائرية ، والعام الدراسي هي العبادة التعاملية ،
فإذا لم يكن هناك دوام ، و لا انتباه للمدرس ، و لا كتابة وظائف ، ولا
مذاكرة للدروس فهذه العبادة الشعائرية لا ينتفع منها إطلاقاً ، ماذا يكتب ؟
مع أن كل وسائل الكتابة معه .
الأستاذ علاء :
فيزيائياً حضر إلى مكان الامتحان ، وجاء بمساعدات الخدمة ، ومساعدات الكتابة .
الدكتور راتب :
لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ
مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا
تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ ، قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا
وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ
الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي
الْجَنَّةِ ))
[ أحمد ]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ ))
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
السيدة الأولى السيدة عائشة قالت عن أختها
صفية إنها قصيرة ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ :
مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا ،
وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا ، كَأَنَّهَا
تَعْنِي قَصِيرَةً ، فَقَالَ : لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ
بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
لذلك من عدّ كلامه من عمله نجا ، الإنسان يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة ، فالإسلام انضباط ، الإسلام عطاء ، الإسلام أخلاق ، هذه حقيقة دقيقة جداً .
نستنبط من هذا الذي ذكرته أن العبادات
الشعائرية هي فرائض لابد من أن تؤدى ، لكن لا يمكن أن نقطف ثمارها ، أو
نؤجر عليها ما لم تسبقها استقامة في العبادة التعاملية ، هذا الذي جاء به
الإسلام ، و أنا أقول دائماً والله ، وأقسم : لو فهم الصحابة الكرام
الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج من مكة المكرمة ، أما أن يصل إلى الصين
شرقاً ، و إلى مشارف باريس غرباً فبهذا بالخلق .
لكن لابد من وقفة دقيقة ، قد نجد إنساناً متفلتاً من العبادات وله أخلاق .
الأستاذ علاء :
سيدنا ، هل الأخلاق مرتبطة بالدين والتدين ، أم هنالك أخلاق تأتي من غير متدين ، ومن غير متمسك ؟
هل نجد الأخلاق عند غير المستقيين ؟
1 ـ أخلاق العبادات :
الدكتور راتب :
الجواب : نعم ، ولا ، في نفس الوقت ، سأشرح لك
، حينما يعرف الإنسان الله ، وحينما يعرف سر وجوده ، وحينما يعرف غاية
وجوده ، وحينما يتجه إلى الله متصلاً به يشتق منه الخلق الحسن ، لأن مكارم
الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً ،
فمِن المستحيل أن تتصل بالرحيم ولا تَرحم ، ومستحيل أن تتصل بالعدل ولا
تنصف ، ومستحيل أن تتصل بالعفو ولا تعفو ، هذه الأخلاق الأصيلة التي لا
تتأثر لا بإقبال الدنيا ولا بإدبارها ، ولا بفقر و لا بغنى ، هذه أخلاق
الدين ، أخلاق العبادات ، أخلاق الاتصال بالله ، أخلاق السمو النفسي .
2 ـ أخلاق المصالح :
لكن الإنسان قد يكون ذكياً جداً يكتشف أنه إذا
كان صادقاً نجح في الحياة ، وإذا كان منصفاً أحبه من حوله ، وإذا كان
عفواً علا عن مرتبة الانتقام ، فبدافع من حبه للنجاح في الدنيا فقط ، بدافع
من حبه لنفسه ، من حبه لإكثار ماله ، من حبه لنجاح شركته ، للأنانية
يستقيم ، و يصدق ، ويعفو فيرقى في الدنيا .
الآن أقدم لك مثلاً : لو أتينا بمؤسسة كبيرة ،
وعلى رأسها مدير ملحد بوجود الله ، لكنه ذكي جداً ، يصدق ، و نصف ، ويعفو ،
ويرحم يتألق ، تزداد أرباحه ، يلتئم حوله العمال ، لكن هذا الإنسان أراد
من هذا الخُلق مصالحه في الدنيا ، وماله في الآخرة من خلاّق ، لو راقبناه ،
وراقبنا إنساناً مدير عام آخر مؤمنا إيمانا بالله ، وأخلاقه عبادية ،
وليست مصلحية لدهشنا أن النتائج واحدة .
3 ـ أوجه الاتفاق والاختلاف بين أخلاق العبادة وأخلاق المصالح :
يلتقي العمل العبادي مع العمل الذكي في
النتائج ، ويختلف عنه في البواعث ، هذا أراد الدنيا فنالها ، الله عز وجل
عدلٌ ، هذه الدنيا لمن يدفع ثمنها ، أنا حينما آخذ أسباب الدنيا أتملكها ،
ولو كنت غير مؤمن بالله ، وهذا الذي نشاهده نحن أحياناً ، إذا أخذت بأسباب
الدنيا تتملكها ، ولو لم تكن مؤمناً بالله ، وقد قيل : " الدنيا تصلح
بالكفر والعدل ، ولا تصلح بالظلم والإيمان " ، وهذا كلام خطير ، هذه الدنيا
الذي يدفع ثمنها ينالها مؤمن وغير مؤمن ، أما الآخرة فلا تصلح إلا
بالإيمان والاستقامة .
أخلاق المصالح تجري مع المصالح وجودًا وعدَمًا :
إذاً : هذا قادنا إلى أن هناك خلقاً أساسه
الذكاء ، لذلك المجتمعات المتقدمة جداً حينما تمس مصالحها تنقلب إلى
مجتمعات متوحشة ، إعجاب أهل الأرض بجهة قوية جداً طرحت قيماً رائعة جداً ،
والحقيقة أن هناك إعجابا كبيرا ، لكن بعد أن ضُربت مصالحها فعلت الأفاعيل ،
فأنا أقول دائماً : كان الغرب قيمة حضارية كبيرة ، لكن بعد حين سقط كحضارة
، وبقي كقوة غاشمة .
أخلاق المؤمن ثابتة لا تغيرها الطوارئ :
أما أخلاق المؤمن فأخلاق أصيلة لا تتبدل لا بالمصالح إن تحققت ولا إذا لم تتحقق ، ولا تتبدَّل بالاستفزاز .
صلاح الدين الأيوبي لما فتح القدس ، حينما
احتلت من قبل الإفرنجة ذبحوا سبعين ألفاً في يومين ، أما صلاح الدين
الأيوبي ـ رحمه الله تعالى ـ فلم يسفك قطرة دم ، لأن الإيمان قيد الفتك ،
ولا يفتك مؤمن .
أنا أؤمن أن الذي يلجمني أن أفعل وفق هواي هو خوفي من الله ، أنا لا أصدق أشياء أخرى ، إن أردت أن تكون أخلاقياً تنفعك هذه الأخلاقية في الدنيا والآخرة فاختر أخلاق التدين ، أخلاق العبادة ، أخلاق الاتصال بالله ، أما إن أردت أن تكون أخلاقياً لتحقيق المصالح فهذا الشيء يحتاج إلى ذكاء .
إنّ الإنسان الذكي ينتزع إعجاب الآخرين ، وينجح في حياته ، وله الدنيا ، لكن الله عز وجل قال :
وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
[ سورة البقرة : 200]
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
الحقيقة الوقت أدركنا في هذه الحلقة الأولى
التي نمهد فيها لبرنامجنا الأسبوعي إن شاء الله ، وهناك الكثير من التمهيد
لهذا البرنامج لم نمر عليه ، الحلقة القادمة إن شاء الله سوف نتبين النقاط
التي لم نمر عليها ، ونشكرك جزيل الشكر أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي
أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في
جامعة دمشق ، وشكراً للسادة المشاهدين الذين تابعونا ، و ندعوهم لمتابعتنا
في كل أسبوع في مثل الموعد الذي بثّ فيه هذا البرنامج ، ونعدكم أن نكمل
التمهيد في الحلقة القادمة قبل أن نبدأ بموضوعات برنامجنا الإيمان هو الخلق
، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، الإنسان كائن
متحرك ، لماذا يتحرك ؟ لأن هناك دوافع عديدة ، من أبرزها أودع الله فيه
رغبة في أن يأكل ويشرب ، وأودع الله فيه رغبة أن يتزوج ، وأودع فيه رغبة
ثالثة أن يكون متفوقاً ، فالدافع الأول حفاظاً على الوجود ، على وجوده ، و
الدافع الثاني حفاظاً على النوع البشري ، و الدافع الثالث حفاظاً على الذكر
سماه العلماء تأكيد الذات ، فالإنسان بدافع الطعام والشراب ، وبدافع
الزواج ، وبدافع التفوق هو مقرور في أن يتحرك ، و لولا هذه الدوافع لما
وجدت شيئاً على وجه الأرض ، كل هذا الذي تراه من معامل ، من مؤسسات ، من
طرق ، من جسور ، من جامعات ، تعود إلى هذه الدوافع الثلاثة ، وهذه الدوافع
حيادية .
إذاً : أستخلص من هذه المقدمة أن الإنسان له حركة في الحياة ، مِن هذه الحركة الخُلق ، لابد من مثل :
لو أن إنساناً سافر إلى بلد ، وليكن باريس ،
ونزل في أحد الفنادق ، واستيقظ في صبيحة اليوم الأول ، وسأل سؤالاً عجيباً
غريباً فقال : إلى أين أذهب ؟ نسأله نحن : لماذا أتيت إلى هنا ؟ إن جئت
طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف
والمتنزهات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، ماذا نستنبط ؟
أن حركة الإنسان في مكان ما لا تصح ، ولا تثمر إلا إذا عرف سر وجوده ،
وغاية وجوده .
أستاذ علاء ، أجري بحث علمي فوجد أن ثلاثة
بالمئة فقط من البشر يعرفون أهدافهم ، فإما أن ترسم لك هدفاً واضحاً ، وإما
أن تكون رقماً لا معنى له في خطة الطرف الآخر ، إما أن تخطط ، أو أن يُخطط
لك ، فهذا الإنسان الذي ذهب إلى باريس إذا كان هدفه واضحا جداً ، نيل
الدكتوراه مثلا ، الآن مليون جزئية من تصرفاته اليومية متعلقة بهذا الهدف ،
مثلاً : يستأجر بيتاً قريباً من الجامعة توفيراً للوقت والجهد والمال ،
يصاحب صديقاً يتقن اللغة الفرنسية ليتعلم منه ، يشتري مجلة متعلقة باختصاصه
، يأكل طعاماً يعينه على الدراسة ، حينما يتضح الهدف كل جزئيات الحياة ،
أو حركة الإنسان في الحياة مرتبطة بهذا الهدف .
الأستاذ علاء :
إذاً دكتور ، ساحته الحيوية التي يتحرك فيها هي مقيدة بالهدف .
صحة الحركة ثمن السلامة والسعادة :
الدكتور راتب :
إذاً : إن صحت حركةُ الإنسان سلم وسعد ، ولو
شققنا على صدر ستة آلاف مليون من بني البشر لما وجدت عندهم إلا طلب السلامة
والسعادة بمفهومهم طبعاً ، إذاً : من أين يأتي الشقاء ؟ من الجهل ، الجهل
أعدى أعداء الإنسان ، لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله
به ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ،
وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك
، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ،
فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، حتى إن أزمة أهل النار و هم في النار هي
العلم ، الدليل :
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ
[ سورة الملك : الآية 10]
فلذلك حينما يعرف الإنسان سر وجوده ، وغاية
وجوده تصح حركته ، فإن صحت سلم وسعد ، وهذا مطلب بشري ، مطلب إنساني ، ولا
يأتي الشقاء إلا من الجهل ، ذلك أن في الإنسان حاجات عليا ، وفيه حاجات
دنيا .
الحاجات الدنيا نحن وبقية المخلوقات فيها سواء ، لكن الحاجات العليا هي التي ميز الله بها الإنسان .
الأستاذ علاء :
من هنا أتى التكليف ؟
عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ
الدكتور راتب :
نعم :
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ
[ سورة الرحمن]
هناك سؤال يتبادر إلى الذهن : أيعقل في المنطق
أن يُعَلَّم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ أجاب بعض العلماء : هذا
الترتيب ليس ترتيباً زمنياً ، بل هو ترتيب رتبي ، بمعنى أن وجود الإنسان في
الدنيا لا معنى له من دون منهج يسير عليه .
سأضرب مثلاً : لو أتينا بجهاز ثمنه خمسين
مليوناً لتحليل الدم آلياً ، ولم يأتنا مع الجهاز تعليمات الصانع ، إن
استخدمناه من دون تعليمات أتلفناه ، وإن لم نستخدمه جمدنا ثمنه ، أليست
التعليمات أهم من الآلة ؟
أستاذ علاء ، الإنسان مفطور على حب ذاته ، على حب وجوده ، و على حب سلامة
وجوده ، وعلى حب كمال وجوده ، وعلى حب استمرار وجوده ، وهذا لا يتحقق إلا
إذا اتبع تعليمات الجهة الصانعة ، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي
ينبغي أن تتبع تعليماتها ، لا لأنك تعظمها هي عظيمة جداً ، ولا لأنك تحبها
هي محسنة جداً ، و لكن لأنك تحب ذاتك ، وانطلاقاً من محبة الإنسان لذاته ،
وحفاظاً على وجوده ، وسلامة وجوده ، واستمرار وجوده ، وكمال وجوده يتبع
تعليمات الصانع ، قال تعالى :
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
[ سورة فاطر : 14]
هذه نقطة ، إذاً لا تصح حركتي في الحياة إلا إذا عرفت سر وجودي ، وغاية وجودي .
متى يَسعَد الإنسان ؟
الآن متى أسعد ؟ لو أن طالباً على مشارف
امتحان مصيري ، امتحان التخرج ، وعنده أصعب المواد بعد يومين ، وجاء
أصدقاؤه الذين يحبهم ، وأخذوه إلى مكان جميل ، واستمتع بالمناظر الرائعة ،
وأكل أطيب الطعام يشعر بانقباض لا حدود له ، لماذا ؟ هو في مكان جميل ،
والطعام طيب ، وهؤلاء الذين حوله يحبهم ، لأن هذه الحركة لا تتناسب مع
غايته ، فلو جلس في غرفة قميئة ، وقرأ الكتاب المقرر ، واستوعبه لشعر براحة
ما بعدها راحة .
إذاً : يسعد الإنسان إذا جاءت حركته مرتبطة بهدفه .
أستاذ علاء ، التاجر الآن إذا لم يوجد بيع
وشراء بمكتبه الكولا والقهوة والشاي والصحف والمجلات يشعر بألم لا حدود له ،
أما إذا كان الموسم جيدا ، ونسي أن يأكل ، وبقي واقفاً عشر ساعات هو في
قمة السعادة .
تصح حركةُ الإنسان في الحياة إذا عرف سر وجوده ، ويسعد إذا جاءت هذه الحركة مطابقة لهدفه ، فالخلق هو الانضباط و العطاء .
الأستاذ علاء :
أي الانضباط والعطاء كوابح و دوافع .
الخُلق هو انضباط وعطاء وكوابح و دوافع :
الدكتور راتب :
أول كلمة سلبية : المؤمن لا يكذب ، يقول لك :
لا أكذب ، لا أقترف المعصية ، لا آكل مال غيري ، لا أعتدي على عرض غيري ،
كله لاءات ، أما العطاء فإيجابيات ، يعطي من وقته ، من ماله ، من خبرته ،
من اهتمامه ، من كل شيء منحه الله إياه ، فإذا أردنا أن نضغط الخلق كله
بكلمتين فهو الانضباط ، وطابعه سلبي ، والعطاء وطابعه إيجابي .
الأستاذ علاء :
دكتور راتب ، من خلال هذا التعريف ، وهذه
المقدمة الجميلة التي مشيت بنا في مسيرتها نقلة نقلة مع الأمثلة لتوصلنا
إلى الغاية في التعريف ، انضباط وعطاء ، الأول كوابح سلبي ، والثاني إيجابي
، هو لا يفعل ، لا كذا ، لا كذا ، لأنه يتمتع بالأخلاق ، لكن الأخلاق في
طرفها الآخر هي دوافع ، وحوامل نحو العطاء والخير ، والتقدم نحو الآخرين في
مد يد العون والمساعدة .
الآن هذا الانضباط والعطاء ، وهذا التعريف الذي أخذناه للبرنامج هل له صلة في القرآن والسنة وعند العلماء ؟
صلة الأخلاق بالعبادات الأخرى :
الدكتور راتب :
طبعاً ، أولاً أُخذ عنوان هذا البرنامج من قول
لعالم كبير جداً لعل معظم العلماء في عصر النهضة كانوا عالة على إنتاجه ،
هو ابن قيم الجوزية رحمه الله ، يقول : " الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك
في الخلق زاد عليك في الإيمان " .
فعنوان هذا البرنامج أخذ من قول لأكبر علماء المسلمين الذين تعد مؤلفاتهم مرجعاً كبيراً لكل الدعاة إلى الله .
الأستاذ علاء :
أنا لا أقطع التسلسل ، دكتور راتب ، إذاً " "
من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " ، نحن تصور الناس بشكل عام أن
الزيادة ومقياس الزيادة هي العبادة ، أن شخصاً أكثر من الآخر عبادة ، أكثر
من الآخر تهجداً ، أكثر من الآخر تمسكاً بأوقات الصلاة ، هذا التمايز ، لكن
من خلال كلام ابن القيم لاحظنا بأن الأخلاق هي مقياس الزيادة بكل معنى
الكلمة .
الدكتور راتب :
سأقدم لك الدليل ، العبادات خمسة :
1 – الشهادتان :
نبدأ بالنطق بالشهادة ، يقول عليه الصلاة و السلام :
(( من قال : لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))
[ الجامع الصغير ]
إذاً : كلمة الإسلام الأولى التي بها تدخل إلى الإسلام لا تصح ، ولا تقبل إلا إذا كانت ثمرتها الابتعاد عن كل معصية .
2 – الصلاة :
الصلاة التي هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، التي هي عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا :
الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا
مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ
عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ
فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ
فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا
أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي
النَّارِ ))
[ مسلم ، الترمذي ، أحمد ]
الأستاذ علاء :
مِن هنا يؤكد حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ))
[ الجامع الصغير ]
الدكتور راتب :
لأن الله قال :
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[ سورة العنكبوت : 45 ]
أستاذ علاء ، في الأديان الوضعية طقوس هي
حركات وسكنات ، وتمتمات وإيماءات ، و إيحاءات لا معنى لها ، وليست منطقية ،
لكن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أشار إلى أن العبادات في الإسلام
معللة بمصالح الخلق .
كلام رب العالمين :
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
[ سورة العنكبوت : 45 ]
فهذا الحديث ربط الصلاة بالاستقامة .
حديث آخر ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا
فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ـ شيء عجيب ،
أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ـ قَالَ ثَوْبَانُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ
مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ
، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ،
وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا
))
[ ابن ماجه ]
سقطت عبادتهم .
الأستاذ علاء :
إذاً : العبادة لم تحجبهم أبداً عن المحارم ، وعن الأذى ، فبالتالي سقطت ، وذهبت هباء منثوراً .
الدكتور راتب :
هذه أكبر فرض عبادي ، عماد الدين ، هذه الصلاة
تسقط ، طبعاً أنا ماذا أقول ؟ أنا أقول كلاماً رائعاً : يجب أن تصلي ،
لأنها فرض ، ويجب أن يسبق الصلاة استقامة كي تقطف ثمارها ، ولن تقطف ثمار
الصلاة إن لم يسبقها استقامة .
3 – الحجُّ :
من حجّ بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب ،
وقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك
والملك ، لا شريك لك ، ينادى : أن لا لبيك ، ولا سعديك ، وحجك مردود عليك .
إذاً : الحج إن لم ترافقه توبة واستقامة لا يقبل .
4 – الصيام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ البخاري ، الترمذي أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش .
5 – الزكاة :
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
[ سورة التوبة : الآية 53]
الأستاذ علاء :
هذا الكلام سيدنا يقودنا إلى قضية هامة ، أن كل هذه العبادات مرتبطة بمؤدى تصبّ في خانة الأخلاق .
لا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية :
الدكتور راتب :
هذا الكلام يترتب عليه أن العبادات الشعائرية لا تقبل ، ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
قال أحد العلماء : لَتَرْكُ دانق من حرام ـ
والدانق سدس الدرهم ـ خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، والنبي عليه
الصلاة والسلام يقول :
(( والله ، لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا ))
[ الجامع الصغير ]
شيء لا بكاد يصدق ، لذلك العبادة لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
أستاذ علاء ، أنا مضطر لمثل آخر : نحن عندنا
عام دراسي فيه تسعة أشهر ، فيه دوام ، وانتباه للمعلم ، وكتابة وظائف ،
ومراجعة الدروس ، هذا النشاط كله أهمله الطالب ، فلم يداوم ، ولم ينتبه
للمدرس ، ولا كتب وظائفه ، ولا ذاكر ، جاء يوم الامتحان ومعه ستة أقلام في
جيبه ، معه مشروبات ساخنة حتى ينتعش ، معه أسبرين ، وكل أموره المادية
ميسرة ، لكن ماذا يكتب ؟ ما قيمة هذا الامتحان من دون دراسة ، ثلاث ساعات
الامتحان هي العبادة الشعائرية ، والعام الدراسي هي العبادة التعاملية ،
فإذا لم يكن هناك دوام ، و لا انتباه للمدرس ، و لا كتابة وظائف ، ولا
مذاكرة للدروس فهذه العبادة الشعائرية لا ينتفع منها إطلاقاً ، ماذا يكتب ؟
مع أن كل وسائل الكتابة معه .
الأستاذ علاء :
فيزيائياً حضر إلى مكان الامتحان ، وجاء بمساعدات الخدمة ، ومساعدات الكتابة .
الدكتور راتب :
لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ
مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا
تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ ، قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا
وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ
الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : هِيَ فِي
الْجَنَّةِ ))
[ أحمد ]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ ))
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ، مالك ]
السيدة الأولى السيدة عائشة قالت عن أختها
صفية إنها قصيرة ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ :
مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا ،
وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا ، كَأَنَّهَا
تَعْنِي قَصِيرَةً ، فَقَالَ : لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ
بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
لذلك من عدّ كلامه من عمله نجا ، الإنسان يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة ، فالإسلام انضباط ، الإسلام عطاء ، الإسلام أخلاق ، هذه حقيقة دقيقة جداً .
نستنبط من هذا الذي ذكرته أن العبادات
الشعائرية هي فرائض لابد من أن تؤدى ، لكن لا يمكن أن نقطف ثمارها ، أو
نؤجر عليها ما لم تسبقها استقامة في العبادة التعاملية ، هذا الذي جاء به
الإسلام ، و أنا أقول دائماً والله ، وأقسم : لو فهم الصحابة الكرام
الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج من مكة المكرمة ، أما أن يصل إلى الصين
شرقاً ، و إلى مشارف باريس غرباً فبهذا بالخلق .
لكن لابد من وقفة دقيقة ، قد نجد إنساناً متفلتاً من العبادات وله أخلاق .
الأستاذ علاء :
سيدنا ، هل الأخلاق مرتبطة بالدين والتدين ، أم هنالك أخلاق تأتي من غير متدين ، ومن غير متمسك ؟
هل نجد الأخلاق عند غير المستقيين ؟
1 ـ أخلاق العبادات :
الدكتور راتب :
الجواب : نعم ، ولا ، في نفس الوقت ، سأشرح لك
، حينما يعرف الإنسان الله ، وحينما يعرف سر وجوده ، وحينما يعرف غاية
وجوده ، وحينما يتجه إلى الله متصلاً به يشتق منه الخلق الحسن ، لأن مكارم
الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً ،
فمِن المستحيل أن تتصل بالرحيم ولا تَرحم ، ومستحيل أن تتصل بالعدل ولا
تنصف ، ومستحيل أن تتصل بالعفو ولا تعفو ، هذه الأخلاق الأصيلة التي لا
تتأثر لا بإقبال الدنيا ولا بإدبارها ، ولا بفقر و لا بغنى ، هذه أخلاق
الدين ، أخلاق العبادات ، أخلاق الاتصال بالله ، أخلاق السمو النفسي .
2 ـ أخلاق المصالح :
لكن الإنسان قد يكون ذكياً جداً يكتشف أنه إذا
كان صادقاً نجح في الحياة ، وإذا كان منصفاً أحبه من حوله ، وإذا كان
عفواً علا عن مرتبة الانتقام ، فبدافع من حبه للنجاح في الدنيا فقط ، بدافع
من حبه لنفسه ، من حبه لإكثار ماله ، من حبه لنجاح شركته ، للأنانية
يستقيم ، و يصدق ، ويعفو فيرقى في الدنيا .
الآن أقدم لك مثلاً : لو أتينا بمؤسسة كبيرة ،
وعلى رأسها مدير ملحد بوجود الله ، لكنه ذكي جداً ، يصدق ، و نصف ، ويعفو ،
ويرحم يتألق ، تزداد أرباحه ، يلتئم حوله العمال ، لكن هذا الإنسان أراد
من هذا الخُلق مصالحه في الدنيا ، وماله في الآخرة من خلاّق ، لو راقبناه ،
وراقبنا إنساناً مدير عام آخر مؤمنا إيمانا بالله ، وأخلاقه عبادية ،
وليست مصلحية لدهشنا أن النتائج واحدة .
3 ـ أوجه الاتفاق والاختلاف بين أخلاق العبادة وأخلاق المصالح :
يلتقي العمل العبادي مع العمل الذكي في
النتائج ، ويختلف عنه في البواعث ، هذا أراد الدنيا فنالها ، الله عز وجل
عدلٌ ، هذه الدنيا لمن يدفع ثمنها ، أنا حينما آخذ أسباب الدنيا أتملكها ،
ولو كنت غير مؤمن بالله ، وهذا الذي نشاهده نحن أحياناً ، إذا أخذت بأسباب
الدنيا تتملكها ، ولو لم تكن مؤمناً بالله ، وقد قيل : " الدنيا تصلح
بالكفر والعدل ، ولا تصلح بالظلم والإيمان " ، وهذا كلام خطير ، هذه الدنيا
الذي يدفع ثمنها ينالها مؤمن وغير مؤمن ، أما الآخرة فلا تصلح إلا
بالإيمان والاستقامة .
أخلاق المصالح تجري مع المصالح وجودًا وعدَمًا :
إذاً : هذا قادنا إلى أن هناك خلقاً أساسه
الذكاء ، لذلك المجتمعات المتقدمة جداً حينما تمس مصالحها تنقلب إلى
مجتمعات متوحشة ، إعجاب أهل الأرض بجهة قوية جداً طرحت قيماً رائعة جداً ،
والحقيقة أن هناك إعجابا كبيرا ، لكن بعد أن ضُربت مصالحها فعلت الأفاعيل ،
فأنا أقول دائماً : كان الغرب قيمة حضارية كبيرة ، لكن بعد حين سقط كحضارة
، وبقي كقوة غاشمة .
أخلاق المؤمن ثابتة لا تغيرها الطوارئ :
أما أخلاق المؤمن فأخلاق أصيلة لا تتبدل لا بالمصالح إن تحققت ولا إذا لم تتحقق ، ولا تتبدَّل بالاستفزاز .
صلاح الدين الأيوبي لما فتح القدس ، حينما
احتلت من قبل الإفرنجة ذبحوا سبعين ألفاً في يومين ، أما صلاح الدين
الأيوبي ـ رحمه الله تعالى ـ فلم يسفك قطرة دم ، لأن الإيمان قيد الفتك ،
ولا يفتك مؤمن .
أنا أؤمن أن الذي يلجمني أن أفعل وفق هواي هو خوفي من الله ، أنا لا أصدق أشياء أخرى ، إن أردت أن تكون أخلاقياً تنفعك هذه الأخلاقية في الدنيا والآخرة فاختر أخلاق التدين ، أخلاق العبادة ، أخلاق الاتصال بالله ، أما إن أردت أن تكون أخلاقياً لتحقيق المصالح فهذا الشيء يحتاج إلى ذكاء .
إنّ الإنسان الذكي ينتزع إعجاب الآخرين ، وينجح في حياته ، وله الدنيا ، لكن الله عز وجل قال :
وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
[ سورة البقرة : 200]
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
الحقيقة الوقت أدركنا في هذه الحلقة الأولى
التي نمهد فيها لبرنامجنا الأسبوعي إن شاء الله ، وهناك الكثير من التمهيد
لهذا البرنامج لم نمر عليه ، الحلقة القادمة إن شاء الله سوف نتبين النقاط
التي لم نمر عليها ، ونشكرك جزيل الشكر أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي
أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في
جامعة دمشق ، وشكراً للسادة المشاهدين الذين تابعونا ، و ندعوهم لمتابعتنا
في كل أسبوع في مثل الموعد الذي بثّ فيه هذا البرنامج ، ونعدكم أن نكمل
التمهيد في الحلقة القادمة قبل أن نبدأ بموضوعات برنامجنا الإيمان هو الخلق
، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
خادم الصالحين- عضو راقي
- عدد المساهمات : 1064
نقاط : 3198
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 23/01/2012
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 05, 2017 8:59 pm من طرف خادم الصالحين
» الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:38 pm من طرف خادم الصالحين
» الغضب إياك أن تتخذ قراراً وأنت غاضب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:36 pm من طرف خادم الصالحين
» ليس بين العبد وربِّه وسيط
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:31 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة الدائمة والسعادة المؤقتة
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:29 pm من طرف خادم الصالحين
» شروط استجابة الدعاء
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:28 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة والشقاء مصدرها القلب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:24 pm من طرف خادم الصالحين
» أكبر عقاب يصيب الإنسان في الدنيا
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:21 pm من طرف خادم الصالحين
» لعقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - : اسم الله القريب
الأحد أكتوبر 29, 2017 10:16 pm من طرف خادم الصالحين
» شوفو شغلي الجديد
السبت أكتوبر 28, 2017 12:36 am من طرف عقبة