المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
الحر | ||||
طوق الياسمين | ||||
خالد |
المواضيع الأكثر شعبية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 40 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 40 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 290 بتاريخ الخميس أكتوبر 03, 2024 9:09 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
طوق الياسمين | ||||
الحر | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
خالد |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 510 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو الياس0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1464 مساهمة في هذا المنتدى في 1369 موضوع
دخول
الإيمان هو الخلق
صفحة 1 من اصل 1
الإيمان هو الخلق
بسم الله الرحمن الرحيم
قلنا : إن العنوان أخذ من قول العالم الجليل ابن
القيم الجوزية الذي قال : " الإيمان هو الخلق " ، و مقياس الاستزادة في
الإيمان هو مقياس التفاضل في الإيمان بين الناس ، ومن زادك خلقاً ، ومن
زادك سلوكاً قويماً زادك إيمانا ، وتبينا ذلك مع أستاذنا الدكتور محمد راتب
النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول
الدين ، أهلاً وسهلاً دكتور ، تبينا من خلال تعريفك للأخلاق ، تعريفك للخلق
في التمهيد الأول في الحلقة الماضية تبينا مسألتين ، الخلق انضباط ، و
عطاء ، و تبينا بأن الإنسان على هذه الأرض وجوده و خلقه مرتبط بأخلاقه ،
ومرتبط بأهدافه ، وأن الإنسان يسعد إذا توافقت حركته مع هدفه ، ويشقى إذا
تباينت ، ولم تتسق حركة سيره مع حركة هدفه ، وعدنا إلى هذا التعريف في
القرآن الكريم والسنة ، وعند العلماء ، وتبينا في الحلقة الماضية بأن
الكثير من الناس يعتقد بأن الإيمان هو العبادات ، و أن الميزان التفاضلي
الكثرة في العادات ، فقلت : إن العبادة هذه الشعائرية إن لم ترتبط بغاياتها
لماذا وجدت ؟ و لماذا فرضها الله ؟ ولماذا كان التكليف بها جعل الله منها
هباء منثوراً ؟ ونستذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ))
الآن دكتور راتب نريد أن نتابع ما بدأناه ،
ونريد أن نتلمس مسألة الأخلاق والخلق من خلال الكتاب والسنة ، ومن خلال سير
الصحابة الكرام ، الرعيل الأول في هذا الموضوع ؟
الإنسان في حقيقته زمنٌ :
الدكتور راتب :
أستاذ علاء ، النقطة إذا تحركت رسمت خطاً ،
والخط إذا تحرك رسم سطحاً ، والسطح إذا تحرك شكل حجماً ، والحجم إذا تحرك
شكل زمناً ، فمن أدق تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء ، و قد نستغرب
أن من أدق تعريفات الإنسان المخلوق الأول أنه زمن ، هو بضعة أيام ، هذا
التعريف للإمام الجليل الحسن البصري ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم
انقضى بضع منه ، لأنه كائن متحرك نحو هدف ثابت ، الآن اركب قطاراً إلى
الزبداني ، وانظر إلى ساعتك ، كل ثانية تمضي تقترب من الهدف ، إذاً : هذه
الرحلة زمن ، والإنسان زمن ، الإنسان في أدق أدق تعريفاته أنه زمن ، أو أن
أثمن شيء يملكه هو الزمن ، أو أن رأسماله هو الزمن ، بضعة أيام ، كلما
انقضى يوم انقضى بضع منه .
فكيف يقول الله عز وجل في سورة يقول عنها
الإمام الشافعي : " لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم " ، هي سورة العصر ،
خالق السماوات و الأرض يقسم لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ،
يقسم له إنك خاسر :
وَالْعَصْرِ
[ سورة العصر : 1]
جواب القسم :
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر : 2]
وأقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول
الذي هو في حقيقته زمن ، قال له : إنك خاسر ، إله يقسم ، فما معنى الخسارة ؟
معنى الخسارة أن مضي الزمن يستهلكه ، لذلك الإنسان العاقل يعد عمره عداً
تنازلياً لا عداً تصاعدياً ، فلا يقول : أنا بلغت من العمر خمسين ، يقول :
كم بقي لي ؟
لو ذهبنا إلى حمص مثلاً اللوحات تنازلية مئة
وستون ، مئة وأربعون ، مئة وعشرون ، مئة ، ثمانون ، ستون ، أربعون ، عشرون ،
عشرة ، خمسة ، واحد ، حمص ترحب بكم ، فالإنسان البطل يعد عمره عداً
تنازلياً ، وفي أكثر دورات البرمجة اللغوية العصبية ، وهي شائعة الآن
شيوعاً كبيراً ، وهي عبارة عن قواعد مستنبطة من الناجحين في الحياة ، هذه
الدورات اسمها الدورة العصبية اللغوية ، أحد قواعد هذه البرمجة : " ابدأ من
النهاية " ، إذا بدأت من النهاية يأتي عملك منسجماًُ مع هذه النهاية ،
يقول الله عز وجل :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر ]
لأن كل الذي يحصله الإنسان في الدنيا يخسره في
ثانية واحدة ، كل عظمة الإنسان ، وهيمنته ، وقوته ، وحجمه المالي ، والذين
حوله متوقف على ميلي وربع قطر شريانه التاجي ، فإذا ضاقت هذه اللمعة دخل
في متاعب لا تنتهي ، وكل عظمة الإنسان ، وإمكاناته ، وهيمنته ، ومن حوله ،
وماله متوقف على سيولة دمه ، فإذا تجمدت نقطة دم كرأس الدبوس في مكان ما من
دماغه ، ففي مكان يصاب بالشلل ، وفي مكان يصاب بالعمى ، وفي مكان يفقد
ذاكرته ، فكل عظمة الإنسان مبنية على سيولة دمه ، وكل عظمة الإنسان المتأله
، هذا مصطلح استوردناه من الأجانب ، وفي الحدث القدسي عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))
[أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
فكل عظمة الإنسان متوقفة على نمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً دخل في الورم الخبيث ، وانتهت حياته .
إذاً : الإنسان خاسر لا محالة ، لأنه لو مات موتاً طبيعياً كل شيء جمعه في حياته يخسره في ثانية واحدة :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر ]
أين رحمة الله ؟ رحمة الله في قوله :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر : 3]
رحمة الله لا في أن تنفق الوقت الذي هو أثمن
شيء تملكه ، لا في أن تنفق الوقت الذي هو أنت ، لا في أن تنفق الوقت الذي
هو رأسمالك الوحيد إنفاقاً استهلاكياً ، بل ينبغي أن تنفقه إنفاقاً
استثمارياً ، هذا هو الفرق بين الأخلاقي وغير الأخلاقي .
غير الأخلاقي ينفق وقته إنفاقاً استهلاكياً ،
يأكل ، ويشرب ، ويستمتع ، وعمله متكرر ، يستمتع ، يتابع الأخبار ، له
تعليقات معينة ، يسهر ، يسافر ، يتنزه ، ثم يفاجأ بالموت الذي ينهي كل شيء .
الأستاذ علاء :
يأتيه بغتة ، وكأنه لم يحسب لذلك الموقف .
ثم يأتي الموت بغتة !!!
الدكتور راتب :
كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة فاعلم بأنك بعدهــا محمول
***
حينما نبدأ من النهاية في البرمجة اللغوية العصبية الآن تنسجم مع هذه النهاية .
الأستاذ علاء :
يتسق عمل الإنسان والحركة مع النهاية .
عملُ الإنسان وحركته تتسق مع النهاية :
الدكتور راتب :
مرة كنت في مطار شيكاغو ، أعجبني شريط متحرك ،
إذا وقفت عليه يمشي بك ، إذا مشيت عليه سرعتك تتضاعف ، وإن بقيت واقفاً
عليه تمشي مع المشاة ، لكن التفكر في الموت ، وأن تبدأ من النهاية هذا
يصونك عن أن تخرج عن منهج الله ، وهذا يسرع خطاك إلى الله .
الموت له وظيفة إيجابية كبيرة جداً ، لك أن
تؤسس شركة ، ولك أن تنال دكتوراه ، ولك أن تتزوج ، ولك أن تسهم في بناء
الأمة ، ولك أن تكون إيجابياً معطاء ، ومع ذلك تفكر في الموت ، لأن الموت فيه حساب ، إذا فكرت في الموت ، وأن فيه ينتهي كل شيء تنضبط وفق منهج الله
، لأن الشهوات محرك ، و العقل مقود ، و المنهج طريق ، فمهمة العقل الحفاظ
على البقاء في الطريق عن طريق المقود ، الحركة شهوة ، والعقل مقود ،
والطريق هو الشرع ، فلذلك حينما يعرف هذا الإنسان ماذا بعد الموت ينجح .
الركنان المتلازمان في القرآن : الإيمان بالله واليوم الآخر :
بالمناسبة ، أستاذ علاء ، ما من ركنين من
أركان الإيمان تلازما في القرآن كركن الإيمان بالله واليوم الآخر ، و أنا
أقول لك بصدق : حينما تؤمن باليوم الآخر إيماناً حقيقياً كما أراد الله
فلابد من أن تنعكس موازينك مئة وثمانين درجة ، يصبح العطاء هو الهدف عندك ،
ترقى بالعطاء لا بالأخذ ، ترقى بخدمة الخلق لا باستخدام إمكاناتهم لصالحك ،
ترقى بأن تكون نموذجاً تبحث عن هدف ، وقيمة لا عن مصلحة وحاجة ، فحينما
يستهلك هذا الإنسان وقته استهلاكاً دون جدوى يصاب بصعقة عند الموت ، فيتمنى
فيها لو كان تراباً :
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً
[ سورة النبأ : 40]
أما حينما ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً أي يفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد مضي الوقت ، الآن :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
ما لم تبحث عن الحقيقة ، ما لم تبحث عن سر
وجودك ، ما لم تبحث عن غاية وجودك ، ما لم تبحث عن منهج ينتظم حركتك في
الحياة ، ما لم يكن لك هدف واضح فإنك في خسارة :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
وهذا البحث يحقق الحاجة العليا في الإنسان ،
والإنسان لا ينتمي إلى إنسانيته إلا إذا بحث عن الحقيقة ، من خلقني ؟ لماذا
أنا في الدنيا ؟ أين كنت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما الشيء الذي إذا فعلته سلمت
وسعت ؟ هذه الحقائق خطيرة جداً ليس البحث عنها استهلاكاً للوقت ، بل هو
استثمار للوقت ، قال تعالى :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
الحقيقة وحدها لا قيمة لها إطلاقاً ، إنسان
معه مرض جلدي ، ونصحه الطبيب أن يعرض نفسه للشمس ، وجلس في غرفة قميئة
مظلمة فيها رطوبة ، وقال : يا لها من شمس ساطعة ، إنها شمس تشفيني ، إنها
شمس تأخذ بالألباب ، لو بقي إلى يوم القيامة يثني على الشمس ، وهو قابع في
غرفة مظلمة لا ينتفع منها ، لأنك ماذا فعلت ؟ أنت حينما تؤمن بالله ما زدت
على أن أقررت بحقيقة صارخة وناصعة :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
هل تصدق أستاذ علاء أن الله عز وجل لخص القرآن كله بآية واحدة :
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
[ سورة الكهف : 110]
أي ما لم تتحرك ، ما لم تلتزم ، ما لم تستقم ، أتمنى أن أوضح الفكرة بمثل من التجارة :
التجارة كم نشاط لها ؟ مئات الألوف ، شراء
مستودعات ، شراء مكاتب ، تعيين مندوبي مبيعات ، استيراد بضاعة ، مراسلة
شركات ، بيع البضاعة ، الإعلان عن البضاعة ، عشرة آلاف نشاط ، هل تستطيع أن
تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة ، أنا أضغطها في الربح ، فإن لم تربح فلست
تاجراً .
إذاً الآن : الدِّين مؤتمرات ، ومساجد ، وكتب ،
ومؤلفات ، وندوات ، وفضائيات ، ونشاط إسلامي ، إن لم يضغط بكلمة استقامة
فلا قيمة له ، بل يصبح ثقافة ، الآن هناك من يقول : أنا عندي خلفية إسلامية
، وأرضية إسلامية ، ونزعة إسلامية ، وتفكير إسلامي ، واهتمام إسلامي ،
لكنه ليس مسلماً .
هناك شاب درس في أمريكا ، وأعجبته فتاة
إعجاباً لا حدود له ، فاستأذن والده أن يتزوج منها ، أقام عليه الدنيا ،
وهدده أن يتبرأ منه لو تزوجها ، لأنها ليست مسلمة ، فخطرت في بال هذا الشاب
أن يستأذن والده لو أنها أسلمت ، أتسمح لي بالزواج منها ، فقال له : أسمح
لك ، فاختل توازنه من الفرح ، اشترى لها عشرين كتاباً باللغة الإنكليزية ،
وهي ذكية جداً ، قالت له : أنا لا أقرأ هذه الكتب وأنت معي لئلا تضغط علي ،
طلبت إجازة أربعة أشهر كي تقرأ هذه الكتب ، إما أن تسلم ، وإما ألا تسلم ،
وعدّ هذا الوقت لا بالأشهر ، ولا بالأسابيع ، ولا بالأيام ، ولا بالساعات ،
بل بالثواني ، وكادت روحه تخرج من جسمه ، فلما التقى بها بعد أربعة أشهر
نطقت بالكلمة التي اختل توازنه لها ، قالت : لقد أسلمت ، ولكني لن أتزوجك ،
لأنك لست مسلماً بحسب ما قرأت .
الأستاذ علاء :
عندما عرفت ، وتبينت ، لأنها قارنت به وقالت
له : لست مسلماً ، أي ما قرأته أردت أن ينطبق عليك فلم ينطبق عليك ، فأنت
خرجت من هذه الدائرة ، فسلوكه ، وأخلاقه لم تنطبق مع معطيات الإسلام .
تفادي الخسارة بالعمل الصالح في كل الأوقات :
الدكتور راتب :
فلا يمكن أستاذ علاء أن تتلافى الخسارة إلا بحالة واحدة ، أن نعمل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعنا بعد انقضاء الزمن :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
رحمة الله في ( إلاّ ) ، وما لم ترفق عملك
بسلوك ، وما لم ترفق إيمانك بسلوك فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً ، الدليل
إبليس مؤمن ، والدليل قال له :
فَبِعِزَّتِكَ
[ سورة ص : 82]
آمن به رباً ، و آمن به عزيزاً ، وآمن به خالقاً ، قال له :
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ
[ سورة الأعراف : 12]
وآمن باليوم الآخر فقال :
أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[ سورة الأعراف : 14]
ومع ذلك فهو إبليس ، فأن تعتقد في شيء صحيح
دون أن ينعكس على سلوكك لا قيمه له ، لذلك ترك دانق من حرام خير من ثمانين
حجة بعد حجة الإسلام :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
لابد من أن ينعكس إيمانك سلوكاً وانضباطاً وعطاء ، والدليل :
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا
[ سورة الأنفال : 72]
بين الإيمان الحقيقي وإيمان الشكليات :
ما لم تأخذ موقفاً ، ما لم تعطِ لله ، ما لم
تمنع لله ، ما لم تصل لله ، ما لم تقطع لله ، ما لم ترض لله ، ما لم تغضب
لله فلست ملتزماً .
نحن الآن عندنا مشكلة ، عندنا إيمان اسمه
إيمان صالونات ، إيمان يتكلم به فقط ، إيمان مؤلفات ، أحياناً نتزين به ،
لأن ثمة لآن توجها نحو الدين عاليا جداً ، هناك من يركب هذه الموجة ، أنا
عندي أرضية إسلامية ، و خلفية إسلامية ، و نزعة إسلامية ، لكن هو ليس
مسلماً ، قالت له : لن أتزوجك ، لأنك لست مسلماً بحسب ما قرأت :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
إذاً يمكن أن نضغط الدين كله بكلمة واحدة ( الاستقامة ) .
إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
[ سورة فصلت : 30]
الآن :
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
[ سورة العصر : 3]
الحركة نحو الخَلق بعد معرفة الحق :
أنت بعد أن عرفت الله أحببت من حولك ، هؤلاء من بني البشر ، إخوانك في الإنسانية :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر : 3]
أي ما لم تبحث عن الحقيقة ، وما لم تعمل بها ،
وما لم تدعُ إليها ، وما لم تصبر على البحث عنها ، والعمل بها ، والدعوة
إليها فأنت خاسر :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر ]
إذاً : أنا متى أستقيم على أمر الله ؟ و متى
أبني حياتي على العطاء ؟ حينما أعرف سر وجودي ، و غاية وجودي ، و إلا أكون
خاسراً بنص القرآن الكريم ، و كان الصحابة الكرام لا يتفرقون إلا على هذه
السورة :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر ]
لو كنت بائعاً ، و الغلة اليومية مليون ليرة ،
ولم تبحث عن الحقيقة ، و لم تعمل بها ، و لم تدعُ إليها ، و لم تصبر على
البحث عنها و العمل بها ، و الدعوة إليها بنص هذه الآية فأنت خاسر ،
والإنسان يحب الربح ، لذلك قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى
تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ
[ سورة الصف ]
الأخلاق لها أصل عَقديّ :
إذاً : قضية الأخلاق لها أصل عقدي ، لها أصل
إيديولوجي بالتعبير الحديث ، ما لم يكن فهمي لسر وجودي ، وغاية وجودي ، ما
لم فهمي للكون ، ولحقيقة الحياة الدنيا ، ولحقيقة الإنسان وأنت مخلوق أول ،
أنت مخلوق مكرم ، أنت مخلوق مكلف ، ما لم أعرف من أنا فلن أستطيع أن أكون
أخلاقياً ، بذكاء مني أفعل شيئاً أنتزع إعجاب الآخرين ، فإذا أتيحت لي فرصة
أعتدي على أموالهم وأعراضهم أخرج عن أخلاقي ، ليس هذا هو الخلق ، لأن
سيدنا عمر رأى راعيا قال له : << بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال
له : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال له : والله
إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب
لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله >> ؟
أستاذ علاء ، هذا الأعرابي لا عنده مكتبة ،
ولا عنده مكتبة أشرطة ، ولا درس في الجامعات ، ولا معه ( ا ف ا ر س ) ،
ولا ( بورد ) ، ولا معه دكتوراه ، وليس معه ماجستير ، بثقافة محدودة جداً
وضع يده على الدين .
أنا أقول كلمة : كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، و كفى به جهلاً أن
يعصيه ، هذا الأعرابي وضع يده على جوهر الدين ، ولكن أين الله ؟
أنا أقول لك كلمة : لا يمكن أن تستقيم حياتنا
من دون إيمان بالله ، إنسان لو دخل إلى دورة مياه ، ولم ينظف أصابعه تماماً
، وكان معه مرض كبد وبائي يمكن أن يعدي ثلاثمئة إنسان يأكل في هذا المطعم
بمرض قاتل ، فما لم يكن هناك انضباط ذاتي فلا تستقيم الحياة .
مرة كنت في أمريكا ، فسمعت صوتاً غريباً يصدر
من المركبة ، سألته : ما هذا ؟ قال : هذا الصوت ينبهني أنه بعد حين هناك
جهاز يكشف السرعات الزائدة ، واضع القانون ذكي ، والمواطن أذكى ، فصنع
جهازاً لكشف هذا الجهاز الذي ينبئ بالسرعة الزائدة .
الآن الدولة هناك في طور أن تصنع جهازاً يكشف
ما في السيارات من أجهزة تناقض هذا الجهاز ، هذه معركة بين عقلين ، أما
حينما نؤمر بالصيام فهل يستطيع إنسان أن يدخل إلى بيته ، و يغلق الأبواب ،
ويضع في فمه قطرة ماء واحدة ؟ أبداً ، الحياة لا تنضبط إلا بالخوف من الله ،
ولا تنضبط إلا بمراقبة الله ، ولا تنضبط إلا إذا شعرت أن الله معك ، واعبد
الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، من خلال ما قدمت أعود إلى هذا
العنوان مرة ثانية ، ونعود إلى أصوله في الكتاب و السنة ، ونعود إلى ما جرى
مع النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته في بداية الدعوة ، ونعود إلى قضية
كيف النبي عليه الصلاة والسلام ملك قلوب الناس ، وقلوب البشر من غير جاهٍ ،
ومن غير سلطان مادي عليهم ، وكيف صبغ أتباعه وصحبته بالأخلاق ، وحملهم
بالأخلاق إلى الاستقامة التي هي عين الكرامة ، كما قالوا ، ودافعوا عن ذلك
المنهج ، ودافعوا عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وعن إيمانهم حتى الموت ؟
يمكن أن نرسم اللوحة إن سمحت ؟
الصورة الأخلاقية في النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه :
الدكتور راتب :
النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح يقول :
إنما ، وقبل أن أتابع إنما أداة قصر وحصر ، إذا قلت : إنما شوقي شاعر ، هو
شاعر فقط ، ليس كاتباً ، و ليس تاجراً ، وليس قاضياً ، إنما شوقي شاعر ،
أما إذا قلت : إنما الشاعر شوقي فها له معنى آخر ، لا شاعر إلا شوقي ، إنما
تفيد الحصر والقصر ، فإذا قال سيد الخلق وحبيب الحق :
(( إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ))
[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))
[ أحمد ]
معنى ذلك أن فحوى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام مكارم الأخلاق ، وهذا عنوان هذا البرنامج الطيب إن شاء الله .
بالمناسبة ، الناس لا ينجذبون إلى الشخص
بعباداته ، بل بأخلاقه ، لا يتحلقون حول إنسان لأنه يصلي مئة ركعة في الليل
، يتحلقون حوله لأنه متسامح معهم ، لأنه يحب الخير ، لأنه كريم ، لأنه بنى
حياته على العطاء ، فالذي يجذب الناس إلى هذا الدين ، ويجعلهم يدخلون في
دين الله أفواجاً هو الخلق ، والذي يجعل الناس ينصرفون عن الدين ، ويخرجون
منه أفواجاً هو التطبيق السيئ لهذا الدين ، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً
في هذا اليوم .
الأستاذ علاء :
تماماً ، لذلك الله عز وجل خاطبه وقال :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[ سورة القلم : 4]
هذه لها بحث طويل ، دكتور هل في الحلقة
القادمة إن شاء الله نستمر في موضوع التمهيد ، وربما يأخذ معنا حلقتين حتى
نستكمل التمهيد لهذا العنوان .
الدكتور راتب :
هذه تسمى الآن المنطلقات النظرية .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
وبعد ذلك نبدأ بمباحث " الإيمان هو الخلق " ،
لا يسعني إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز
العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين ، وإلى اللقاء إن شاء
تعالى في الأسبوع القادم لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة ، و الحلقة التي
سبقت عبر الفضائية السورية ، شكراً لكم ، وشكراً للأعزاء المشاهدين ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
قلنا : إن العنوان أخذ من قول العالم الجليل ابن
القيم الجوزية الذي قال : " الإيمان هو الخلق " ، و مقياس الاستزادة في
الإيمان هو مقياس التفاضل في الإيمان بين الناس ، ومن زادك خلقاً ، ومن
زادك سلوكاً قويماً زادك إيمانا ، وتبينا ذلك مع أستاذنا الدكتور محمد راتب
النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول
الدين ، أهلاً وسهلاً دكتور ، تبينا من خلال تعريفك للأخلاق ، تعريفك للخلق
في التمهيد الأول في الحلقة الماضية تبينا مسألتين ، الخلق انضباط ، و
عطاء ، و تبينا بأن الإنسان على هذه الأرض وجوده و خلقه مرتبط بأخلاقه ،
ومرتبط بأهدافه ، وأن الإنسان يسعد إذا توافقت حركته مع هدفه ، ويشقى إذا
تباينت ، ولم تتسق حركة سيره مع حركة هدفه ، وعدنا إلى هذا التعريف في
القرآن الكريم والسنة ، وعند العلماء ، وتبينا في الحلقة الماضية بأن
الكثير من الناس يعتقد بأن الإيمان هو العبادات ، و أن الميزان التفاضلي
الكثرة في العادات ، فقلت : إن العبادة هذه الشعائرية إن لم ترتبط بغاياتها
لماذا وجدت ؟ و لماذا فرضها الله ؟ ولماذا كان التكليف بها جعل الله منها
هباء منثوراً ؟ ونستذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ))
الآن دكتور راتب نريد أن نتابع ما بدأناه ،
ونريد أن نتلمس مسألة الأخلاق والخلق من خلال الكتاب والسنة ، ومن خلال سير
الصحابة الكرام ، الرعيل الأول في هذا الموضوع ؟
الإنسان في حقيقته زمنٌ :
الدكتور راتب :
أستاذ علاء ، النقطة إذا تحركت رسمت خطاً ،
والخط إذا تحرك رسم سطحاً ، والسطح إذا تحرك شكل حجماً ، والحجم إذا تحرك
شكل زمناً ، فمن أدق تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء ، و قد نستغرب
أن من أدق تعريفات الإنسان المخلوق الأول أنه زمن ، هو بضعة أيام ، هذا
التعريف للإمام الجليل الحسن البصري ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم
انقضى بضع منه ، لأنه كائن متحرك نحو هدف ثابت ، الآن اركب قطاراً إلى
الزبداني ، وانظر إلى ساعتك ، كل ثانية تمضي تقترب من الهدف ، إذاً : هذه
الرحلة زمن ، والإنسان زمن ، الإنسان في أدق أدق تعريفاته أنه زمن ، أو أن
أثمن شيء يملكه هو الزمن ، أو أن رأسماله هو الزمن ، بضعة أيام ، كلما
انقضى يوم انقضى بضع منه .
فكيف يقول الله عز وجل في سورة يقول عنها
الإمام الشافعي : " لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم " ، هي سورة العصر ،
خالق السماوات و الأرض يقسم لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ،
يقسم له إنك خاسر :
وَالْعَصْرِ
[ سورة العصر : 1]
جواب القسم :
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر : 2]
وأقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول
الذي هو في حقيقته زمن ، قال له : إنك خاسر ، إله يقسم ، فما معنى الخسارة ؟
معنى الخسارة أن مضي الزمن يستهلكه ، لذلك الإنسان العاقل يعد عمره عداً
تنازلياً لا عداً تصاعدياً ، فلا يقول : أنا بلغت من العمر خمسين ، يقول :
كم بقي لي ؟
لو ذهبنا إلى حمص مثلاً اللوحات تنازلية مئة
وستون ، مئة وأربعون ، مئة وعشرون ، مئة ، ثمانون ، ستون ، أربعون ، عشرون ،
عشرة ، خمسة ، واحد ، حمص ترحب بكم ، فالإنسان البطل يعد عمره عداً
تنازلياً ، وفي أكثر دورات البرمجة اللغوية العصبية ، وهي شائعة الآن
شيوعاً كبيراً ، وهي عبارة عن قواعد مستنبطة من الناجحين في الحياة ، هذه
الدورات اسمها الدورة العصبية اللغوية ، أحد قواعد هذه البرمجة : " ابدأ من
النهاية " ، إذا بدأت من النهاية يأتي عملك منسجماًُ مع هذه النهاية ،
يقول الله عز وجل :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر ]
لأن كل الذي يحصله الإنسان في الدنيا يخسره في
ثانية واحدة ، كل عظمة الإنسان ، وهيمنته ، وقوته ، وحجمه المالي ، والذين
حوله متوقف على ميلي وربع قطر شريانه التاجي ، فإذا ضاقت هذه اللمعة دخل
في متاعب لا تنتهي ، وكل عظمة الإنسان ، وإمكاناته ، وهيمنته ، ومن حوله ،
وماله متوقف على سيولة دمه ، فإذا تجمدت نقطة دم كرأس الدبوس في مكان ما من
دماغه ، ففي مكان يصاب بالشلل ، وفي مكان يصاب بالعمى ، وفي مكان يفقد
ذاكرته ، فكل عظمة الإنسان مبنية على سيولة دمه ، وكل عظمة الإنسان المتأله
، هذا مصطلح استوردناه من الأجانب ، وفي الحدث القدسي عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))
[أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
فكل عظمة الإنسان متوقفة على نمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً دخل في الورم الخبيث ، وانتهت حياته .
إذاً : الإنسان خاسر لا محالة ، لأنه لو مات موتاً طبيعياً كل شيء جمعه في حياته يخسره في ثانية واحدة :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر ]
أين رحمة الله ؟ رحمة الله في قوله :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر : 3]
رحمة الله لا في أن تنفق الوقت الذي هو أثمن
شيء تملكه ، لا في أن تنفق الوقت الذي هو أنت ، لا في أن تنفق الوقت الذي
هو رأسمالك الوحيد إنفاقاً استهلاكياً ، بل ينبغي أن تنفقه إنفاقاً
استثمارياً ، هذا هو الفرق بين الأخلاقي وغير الأخلاقي .
غير الأخلاقي ينفق وقته إنفاقاً استهلاكياً ،
يأكل ، ويشرب ، ويستمتع ، وعمله متكرر ، يستمتع ، يتابع الأخبار ، له
تعليقات معينة ، يسهر ، يسافر ، يتنزه ، ثم يفاجأ بالموت الذي ينهي كل شيء .
الأستاذ علاء :
يأتيه بغتة ، وكأنه لم يحسب لذلك الموقف .
ثم يأتي الموت بغتة !!!
الدكتور راتب :
كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة فاعلم بأنك بعدهــا محمول
***
حينما نبدأ من النهاية في البرمجة اللغوية العصبية الآن تنسجم مع هذه النهاية .
الأستاذ علاء :
يتسق عمل الإنسان والحركة مع النهاية .
عملُ الإنسان وحركته تتسق مع النهاية :
الدكتور راتب :
مرة كنت في مطار شيكاغو ، أعجبني شريط متحرك ،
إذا وقفت عليه يمشي بك ، إذا مشيت عليه سرعتك تتضاعف ، وإن بقيت واقفاً
عليه تمشي مع المشاة ، لكن التفكر في الموت ، وأن تبدأ من النهاية هذا
يصونك عن أن تخرج عن منهج الله ، وهذا يسرع خطاك إلى الله .
الموت له وظيفة إيجابية كبيرة جداً ، لك أن
تؤسس شركة ، ولك أن تنال دكتوراه ، ولك أن تتزوج ، ولك أن تسهم في بناء
الأمة ، ولك أن تكون إيجابياً معطاء ، ومع ذلك تفكر في الموت ، لأن الموت فيه حساب ، إذا فكرت في الموت ، وأن فيه ينتهي كل شيء تنضبط وفق منهج الله
، لأن الشهوات محرك ، و العقل مقود ، و المنهج طريق ، فمهمة العقل الحفاظ
على البقاء في الطريق عن طريق المقود ، الحركة شهوة ، والعقل مقود ،
والطريق هو الشرع ، فلذلك حينما يعرف هذا الإنسان ماذا بعد الموت ينجح .
الركنان المتلازمان في القرآن : الإيمان بالله واليوم الآخر :
بالمناسبة ، أستاذ علاء ، ما من ركنين من
أركان الإيمان تلازما في القرآن كركن الإيمان بالله واليوم الآخر ، و أنا
أقول لك بصدق : حينما تؤمن باليوم الآخر إيماناً حقيقياً كما أراد الله
فلابد من أن تنعكس موازينك مئة وثمانين درجة ، يصبح العطاء هو الهدف عندك ،
ترقى بالعطاء لا بالأخذ ، ترقى بخدمة الخلق لا باستخدام إمكاناتهم لصالحك ،
ترقى بأن تكون نموذجاً تبحث عن هدف ، وقيمة لا عن مصلحة وحاجة ، فحينما
يستهلك هذا الإنسان وقته استهلاكاً دون جدوى يصاب بصعقة عند الموت ، فيتمنى
فيها لو كان تراباً :
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً
[ سورة النبأ : 40]
أما حينما ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً أي يفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد مضي الوقت ، الآن :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
ما لم تبحث عن الحقيقة ، ما لم تبحث عن سر
وجودك ، ما لم تبحث عن غاية وجودك ، ما لم تبحث عن منهج ينتظم حركتك في
الحياة ، ما لم يكن لك هدف واضح فإنك في خسارة :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
وهذا البحث يحقق الحاجة العليا في الإنسان ،
والإنسان لا ينتمي إلى إنسانيته إلا إذا بحث عن الحقيقة ، من خلقني ؟ لماذا
أنا في الدنيا ؟ أين كنت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما الشيء الذي إذا فعلته سلمت
وسعت ؟ هذه الحقائق خطيرة جداً ليس البحث عنها استهلاكاً للوقت ، بل هو
استثمار للوقت ، قال تعالى :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
الحقيقة وحدها لا قيمة لها إطلاقاً ، إنسان
معه مرض جلدي ، ونصحه الطبيب أن يعرض نفسه للشمس ، وجلس في غرفة قميئة
مظلمة فيها رطوبة ، وقال : يا لها من شمس ساطعة ، إنها شمس تشفيني ، إنها
شمس تأخذ بالألباب ، لو بقي إلى يوم القيامة يثني على الشمس ، وهو قابع في
غرفة مظلمة لا ينتفع منها ، لأنك ماذا فعلت ؟ أنت حينما تؤمن بالله ما زدت
على أن أقررت بحقيقة صارخة وناصعة :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
هل تصدق أستاذ علاء أن الله عز وجل لخص القرآن كله بآية واحدة :
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
[ سورة الكهف : 110]
أي ما لم تتحرك ، ما لم تلتزم ، ما لم تستقم ، أتمنى أن أوضح الفكرة بمثل من التجارة :
التجارة كم نشاط لها ؟ مئات الألوف ، شراء
مستودعات ، شراء مكاتب ، تعيين مندوبي مبيعات ، استيراد بضاعة ، مراسلة
شركات ، بيع البضاعة ، الإعلان عن البضاعة ، عشرة آلاف نشاط ، هل تستطيع أن
تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة ، أنا أضغطها في الربح ، فإن لم تربح فلست
تاجراً .
إذاً الآن : الدِّين مؤتمرات ، ومساجد ، وكتب ،
ومؤلفات ، وندوات ، وفضائيات ، ونشاط إسلامي ، إن لم يضغط بكلمة استقامة
فلا قيمة له ، بل يصبح ثقافة ، الآن هناك من يقول : أنا عندي خلفية إسلامية
، وأرضية إسلامية ، ونزعة إسلامية ، وتفكير إسلامي ، واهتمام إسلامي ،
لكنه ليس مسلماً .
هناك شاب درس في أمريكا ، وأعجبته فتاة
إعجاباً لا حدود له ، فاستأذن والده أن يتزوج منها ، أقام عليه الدنيا ،
وهدده أن يتبرأ منه لو تزوجها ، لأنها ليست مسلمة ، فخطرت في بال هذا الشاب
أن يستأذن والده لو أنها أسلمت ، أتسمح لي بالزواج منها ، فقال له : أسمح
لك ، فاختل توازنه من الفرح ، اشترى لها عشرين كتاباً باللغة الإنكليزية ،
وهي ذكية جداً ، قالت له : أنا لا أقرأ هذه الكتب وأنت معي لئلا تضغط علي ،
طلبت إجازة أربعة أشهر كي تقرأ هذه الكتب ، إما أن تسلم ، وإما ألا تسلم ،
وعدّ هذا الوقت لا بالأشهر ، ولا بالأسابيع ، ولا بالأيام ، ولا بالساعات ،
بل بالثواني ، وكادت روحه تخرج من جسمه ، فلما التقى بها بعد أربعة أشهر
نطقت بالكلمة التي اختل توازنه لها ، قالت : لقد أسلمت ، ولكني لن أتزوجك ،
لأنك لست مسلماً بحسب ما قرأت .
الأستاذ علاء :
عندما عرفت ، وتبينت ، لأنها قارنت به وقالت
له : لست مسلماً ، أي ما قرأته أردت أن ينطبق عليك فلم ينطبق عليك ، فأنت
خرجت من هذه الدائرة ، فسلوكه ، وأخلاقه لم تنطبق مع معطيات الإسلام .
تفادي الخسارة بالعمل الصالح في كل الأوقات :
الدكتور راتب :
فلا يمكن أستاذ علاء أن تتلافى الخسارة إلا بحالة واحدة ، أن نعمل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعنا بعد انقضاء الزمن :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
[ سورة العصر : 3]
رحمة الله في ( إلاّ ) ، وما لم ترفق عملك
بسلوك ، وما لم ترفق إيمانك بسلوك فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً ، الدليل
إبليس مؤمن ، والدليل قال له :
فَبِعِزَّتِكَ
[ سورة ص : 82]
آمن به رباً ، و آمن به عزيزاً ، وآمن به خالقاً ، قال له :
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ
[ سورة الأعراف : 12]
وآمن باليوم الآخر فقال :
أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[ سورة الأعراف : 14]
ومع ذلك فهو إبليس ، فأن تعتقد في شيء صحيح
دون أن ينعكس على سلوكك لا قيمه له ، لذلك ترك دانق من حرام خير من ثمانين
حجة بعد حجة الإسلام :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
لابد من أن ينعكس إيمانك سلوكاً وانضباطاً وعطاء ، والدليل :
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا
[ سورة الأنفال : 72]
بين الإيمان الحقيقي وإيمان الشكليات :
ما لم تأخذ موقفاً ، ما لم تعطِ لله ، ما لم
تمنع لله ، ما لم تصل لله ، ما لم تقطع لله ، ما لم ترض لله ، ما لم تغضب
لله فلست ملتزماً .
نحن الآن عندنا مشكلة ، عندنا إيمان اسمه
إيمان صالونات ، إيمان يتكلم به فقط ، إيمان مؤلفات ، أحياناً نتزين به ،
لأن ثمة لآن توجها نحو الدين عاليا جداً ، هناك من يركب هذه الموجة ، أنا
عندي أرضية إسلامية ، و خلفية إسلامية ، و نزعة إسلامية ، لكن هو ليس
مسلماً ، قالت له : لن أتزوجك ، لأنك لست مسلماً بحسب ما قرأت :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
[ سورة العصر : 3]
إذاً يمكن أن نضغط الدين كله بكلمة واحدة ( الاستقامة ) .
إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
[ سورة فصلت : 30]
الآن :
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
[ سورة العصر : 3]
الحركة نحو الخَلق بعد معرفة الحق :
أنت بعد أن عرفت الله أحببت من حولك ، هؤلاء من بني البشر ، إخوانك في الإنسانية :
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر : 3]
أي ما لم تبحث عن الحقيقة ، وما لم تعمل بها ،
وما لم تدعُ إليها ، وما لم تصبر على البحث عنها ، والعمل بها ، والدعوة
إليها فأنت خاسر :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر ]
إذاً : أنا متى أستقيم على أمر الله ؟ و متى
أبني حياتي على العطاء ؟ حينما أعرف سر وجودي ، و غاية وجودي ، و إلا أكون
خاسراً بنص القرآن الكريم ، و كان الصحابة الكرام لا يتفرقون إلا على هذه
السورة :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
[ سورة العصر ]
لو كنت بائعاً ، و الغلة اليومية مليون ليرة ،
ولم تبحث عن الحقيقة ، و لم تعمل بها ، و لم تدعُ إليها ، و لم تصبر على
البحث عنها و العمل بها ، و الدعوة إليها بنص هذه الآية فأنت خاسر ،
والإنسان يحب الربح ، لذلك قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى
تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ
[ سورة الصف ]
الأخلاق لها أصل عَقديّ :
إذاً : قضية الأخلاق لها أصل عقدي ، لها أصل
إيديولوجي بالتعبير الحديث ، ما لم يكن فهمي لسر وجودي ، وغاية وجودي ، ما
لم فهمي للكون ، ولحقيقة الحياة الدنيا ، ولحقيقة الإنسان وأنت مخلوق أول ،
أنت مخلوق مكرم ، أنت مخلوق مكلف ، ما لم أعرف من أنا فلن أستطيع أن أكون
أخلاقياً ، بذكاء مني أفعل شيئاً أنتزع إعجاب الآخرين ، فإذا أتيحت لي فرصة
أعتدي على أموالهم وأعراضهم أخرج عن أخلاقي ، ليس هذا هو الخلق ، لأن
سيدنا عمر رأى راعيا قال له : << بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال
له : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال له : والله
إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب
لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله >> ؟
أستاذ علاء ، هذا الأعرابي لا عنده مكتبة ،
ولا عنده مكتبة أشرطة ، ولا درس في الجامعات ، ولا معه ( ا ف ا ر س ) ،
ولا ( بورد ) ، ولا معه دكتوراه ، وليس معه ماجستير ، بثقافة محدودة جداً
وضع يده على الدين .
أنا أقول كلمة : كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، و كفى به جهلاً أن
يعصيه ، هذا الأعرابي وضع يده على جوهر الدين ، ولكن أين الله ؟
أنا أقول لك كلمة : لا يمكن أن تستقيم حياتنا
من دون إيمان بالله ، إنسان لو دخل إلى دورة مياه ، ولم ينظف أصابعه تماماً
، وكان معه مرض كبد وبائي يمكن أن يعدي ثلاثمئة إنسان يأكل في هذا المطعم
بمرض قاتل ، فما لم يكن هناك انضباط ذاتي فلا تستقيم الحياة .
مرة كنت في أمريكا ، فسمعت صوتاً غريباً يصدر
من المركبة ، سألته : ما هذا ؟ قال : هذا الصوت ينبهني أنه بعد حين هناك
جهاز يكشف السرعات الزائدة ، واضع القانون ذكي ، والمواطن أذكى ، فصنع
جهازاً لكشف هذا الجهاز الذي ينبئ بالسرعة الزائدة .
الآن الدولة هناك في طور أن تصنع جهازاً يكشف
ما في السيارات من أجهزة تناقض هذا الجهاز ، هذه معركة بين عقلين ، أما
حينما نؤمر بالصيام فهل يستطيع إنسان أن يدخل إلى بيته ، و يغلق الأبواب ،
ويضع في فمه قطرة ماء واحدة ؟ أبداً ، الحياة لا تنضبط إلا بالخوف من الله ،
ولا تنضبط إلا بمراقبة الله ، ولا تنضبط إلا إذا شعرت أن الله معك ، واعبد
الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، من خلال ما قدمت أعود إلى هذا
العنوان مرة ثانية ، ونعود إلى أصوله في الكتاب و السنة ، ونعود إلى ما جرى
مع النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته في بداية الدعوة ، ونعود إلى قضية
كيف النبي عليه الصلاة والسلام ملك قلوب الناس ، وقلوب البشر من غير جاهٍ ،
ومن غير سلطان مادي عليهم ، وكيف صبغ أتباعه وصحبته بالأخلاق ، وحملهم
بالأخلاق إلى الاستقامة التي هي عين الكرامة ، كما قالوا ، ودافعوا عن ذلك
المنهج ، ودافعوا عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وعن إيمانهم حتى الموت ؟
يمكن أن نرسم اللوحة إن سمحت ؟
الصورة الأخلاقية في النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه :
الدكتور راتب :
النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح يقول :
إنما ، وقبل أن أتابع إنما أداة قصر وحصر ، إذا قلت : إنما شوقي شاعر ، هو
شاعر فقط ، ليس كاتباً ، و ليس تاجراً ، وليس قاضياً ، إنما شوقي شاعر ،
أما إذا قلت : إنما الشاعر شوقي فها له معنى آخر ، لا شاعر إلا شوقي ، إنما
تفيد الحصر والقصر ، فإذا قال سيد الخلق وحبيب الحق :
(( إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ))
[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))
[ أحمد ]
معنى ذلك أن فحوى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام مكارم الأخلاق ، وهذا عنوان هذا البرنامج الطيب إن شاء الله .
بالمناسبة ، الناس لا ينجذبون إلى الشخص
بعباداته ، بل بأخلاقه ، لا يتحلقون حول إنسان لأنه يصلي مئة ركعة في الليل
، يتحلقون حوله لأنه متسامح معهم ، لأنه يحب الخير ، لأنه كريم ، لأنه بنى
حياته على العطاء ، فالذي يجذب الناس إلى هذا الدين ، ويجعلهم يدخلون في
دين الله أفواجاً هو الخلق ، والذي يجعل الناس ينصرفون عن الدين ، ويخرجون
منه أفواجاً هو التطبيق السيئ لهذا الدين ، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً
في هذا اليوم .
الأستاذ علاء :
تماماً ، لذلك الله عز وجل خاطبه وقال :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[ سورة القلم : 4]
هذه لها بحث طويل ، دكتور هل في الحلقة
القادمة إن شاء الله نستمر في موضوع التمهيد ، وربما يأخذ معنا حلقتين حتى
نستكمل التمهيد لهذا العنوان .
الدكتور راتب :
هذه تسمى الآن المنطلقات النظرية .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
وبعد ذلك نبدأ بمباحث " الإيمان هو الخلق " ،
لا يسعني إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز
العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين ، وإلى اللقاء إن شاء
تعالى في الأسبوع القادم لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة ، و الحلقة التي
سبقت عبر الفضائية السورية ، شكراً لكم ، وشكراً للأعزاء المشاهدين ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
خادم الصالحين- عضو راقي
- عدد المساهمات : 1064
نقاط : 3198
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 23/01/2012
مواضيع مماثلة
» الإيمان هو الخلق
» الإيمان هو الخلق
» مقومات التكليف : قضايا الإيمان -2- حقائق الإيمان - عبادة التفكروالأعمال الإرادية و اللإرادية في حياة الإنسان
» الخلق
» ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان
» الإيمان هو الخلق
» مقومات التكليف : قضايا الإيمان -2- حقائق الإيمان - عبادة التفكروالأعمال الإرادية و اللإرادية في حياة الإنسان
» الخلق
» ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 05, 2017 8:59 pm من طرف خادم الصالحين
» الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:38 pm من طرف خادم الصالحين
» الغضب إياك أن تتخذ قراراً وأنت غاضب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:36 pm من طرف خادم الصالحين
» ليس بين العبد وربِّه وسيط
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:31 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة الدائمة والسعادة المؤقتة
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:29 pm من طرف خادم الصالحين
» شروط استجابة الدعاء
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:28 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة والشقاء مصدرها القلب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:24 pm من طرف خادم الصالحين
» أكبر عقاب يصيب الإنسان في الدنيا
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:21 pm من طرف خادم الصالحين
» لعقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - : اسم الله القريب
الأحد أكتوبر 29, 2017 10:16 pm من طرف خادم الصالحين
» شوفو شغلي الجديد
السبت أكتوبر 28, 2017 12:36 am من طرف عقبة