المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
أمان الروح | ||||
الحر | ||||
طوق الياسمين | ||||
خالد |
المواضيع الأكثر شعبية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 290 بتاريخ الخميس أكتوبر 03, 2024 9:09 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
خادم الصالحين | ||||
السراج المنير | ||||
عقبة | ||||
نور الشام | ||||
أمان الروح | ||||
طوق الياسمين | ||||
الحر | ||||
محمد العبد الخميس | ||||
admin | ||||
خالد |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 510 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو الياس0 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 1464 مساهمة في هذا المنتدى في 1369 موضوع
دخول
موضوع عن "صورة المرأة في شعر المتنبي"تلمس صورة المرأة المرأة في الإطار الأسري و الصفات المادية للمرأة وللشاعر المتنبي
صفحة 1 من اصل 1
موضوع عن "صورة المرأة في شعر المتنبي"تلمس صورة المرأة المرأة في الإطار الأسري و الصفات المادية للمرأة وللشاعر المتنبي
"صورة المرأة في شعر المتنبي"
المقدمة
جاء
المتنبي في عصر متأخر من الحضارة العربية، التي ازدهرت وفاقت سمعتها أرجاء
الدنيا، وهو بلا شك، قد تأثر بالشعراء الذين تغنوا بالمرأة كرمز حضاري له
عبقه الشعري الخاص، وعلى الرغم من أن المتنبي كان متأثرا بغيره إلا أن هذا
التأثر كان مصحوبا بجديد له جانب كبير من الإثارة والتشويق.
ويتناول
هذا البحث صورة المرأة في شعر المتنبي، وينقسم إلى أربعة محاور رئيسية،
حيث عنى المبحث الأول بالحديث عن المرأة وتلمس صورها، وتناول المبحث
الثاني صورة المرأة في الإطار الأسري، وأما عن المبحث الثالث فقد جاء
الحديث فيه عن صفات المرأة المادية، وانتهى الحديث في المبحث الرابع
بتناول الصفات المعنوية للمرأة، من حيائها وعفتها، والحسب والنسب،
والرزانة والعقل والاتزان .
أولا : تلمس صورة المرأة في شعر المتنبي
إذا
كان حال المرأة في الشعر الجاهلي صورة جميلة يزين بها الشعراء مطالع
قصائدهم، وعلاقتهم بها "تتخذ طابع التكريم والتقدير مرة، والتبذل والمجون
أخرى"(شماع9)، فهي عند المتنبي أيضا على هذا النحو. فلو تتبعنا المتنبي في
شعره لوجدناه يتغنى المرأة، ويضعها أحيانا في مقدمة قصائده، فالمقدمات
الغزلية في شعر المتنبي، تظهر صورة جلية لتلك المرأة، و هذا الدكتور سعد
شلبي(11) يرى بأن المتنفس الوحيد للمتنبي الذي يفصح عن حبه المكتوم للمرأة
هو مطالع قصائده. فقد جاء في ديوانه (يازجي2،646)، قوله في إحداها:
كما
نلالحظ لا يذكر المتنبي أوصاف المرأة إلا بعد أن يذكر الفراق المر، والهجر
الأليم، حتى لنشعر أنه لم يحظ بوصالها أبدا، وفي هذه الأبيات فعل الشيء
ذاته، فهو يرى أن حياته كالموت بفعل فراق حبيبته التي ركز في البيت التالي
على رسم صورة خارجية لها، فهي ذات وجه كالبدر وقوام رشيق كالغصن.
وفي قطعة، يقول المتنبي في بيت يبن من خلاله حالة المحب (يازجي1،25):
تَذَلْل لَهَا واخْضَعْ على القُربِ والنَوى فَمَا عَاشِقٌ مَنْ لا يَذِلُّ ويَخْضَعُ
أي ارض بما تحكم منقادا مطيعا لها، والخضوع في القرب هو الطاعة والانقياد، وفي البعد الرضى والتسليم لفعلها وذلك آية المحب.
ويتابع الشاعر حديثه عن صورة المرأة في أبيات يتحدث فيها عن أعرابية سكنت قلبه دونما استئذان بلا مشقة ولا تعب(يازجي1،92):
هَامَ الفُؤادُ بِأَعْـرَابيَّةٍ سَكَنـَتْ بَيْتَاً مِن القَلْبِ لَمْ تَمـددْ لَهُ طُنُبـا
بَيْضَاءُ تُطمِعُ في مَا تَحْتَ حُلّتِهَا وَعَــزَّ ذَلِكَ مَـطْلُوباً إِذَا طُـلِبَا
كَأَنّها الشمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ شُـعاعُها ويَراهُ الطَـرْفُ مُقْتَرِبَا
مَرَّتْ بِنَا بَيْنَ تِربَيْها فَقُلْتُ لَـها مِن أَيْن جَانَسَ هذا الشادِنُ العَرَبا
فالهيام:
أن يذهب الرجل على وجهه لغلبة الهوى عليه، فالشاعر كما نلاحظ يصف حال
المحب الذي ملكت قلبه المحبوبة بلا كلفة ومشقة، فكانت كمن سكن بيتا لم
يتعب في إقامته، فالقلب بيت بلا إطناب ولا أوتاد. وفي البيت التالي، ينتقل
الشاعر ليرسم صورة أخرى لهذه المرأة، يبن من خلالها عفة المرأة العربية
وصونها لعرضها، يقول: إنها لأنسها ولين حديثها، يطمع الطالب فيما تحت
ثيابها، فيصعب الوصول إلى مطلبه، وذلك لعفتها وصونها لنفسها.
ويتابع الشاعر حديثه عن المرأة فيقول (يازجي2،584) :
شَامِيَّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بِهَـا تُبْصِرُ في نَاظِري مَحْيَـاهَا
فَقَبَّلْـتُ نَاظِري تُغَـالِطُنِي وَإِنَّمَا قَبَّلْـتُ بِهِ فَـــاهَا
فَلَيْتَـهَا لا تَزَالُ آوِيَــةً وَلَيْتَـهُ لا يَزَالُ مَــأوِاهَا
يقصد المتنبي من هذا الكلام أنه يريد دوام قربها منه، بحيث يبقى وجهها في ناظره، وهي كناية عن غاية القرب، فقد منحته
القبلة كما دل على ذلك البيت الثاني، لكن ذلك كان على سبيل الوهم، فهي
أوهمته أنها قبّلت عينيه، وإنما قبلت فاها الذي رأته في ناظره. وبعد عرض
لذلك المشهد الرومانسي، يأتي تمني الشاعر من خلال رسم صورة تحمل في داخلها
حرصه الشديد على هذه المرأة، فهو كما نلاحظ يتمنى أن يكون ناظره مأواها
الذي يأويها ويضمها، فقد أوصله تعلقه الشديد بها وحرصه على عدم مفارقتها
أن يعد لها المسكن والمنزل، ولو كان ذلك الأمر على حساب بصره؛ أي أنه يرضى
بأن يكون بصره مأواها من حبه لها لا يزول أبدا. فالصورة الفنية كما يرى
خالد الزواوي(101)"وسيلة حتمية لإدراك نوع متميز من الحقائق، تعجز اللغة
الاعتيادية إدراكة، أو توصيله، وتصبح الصورة التي تمنحها للمبدع قرينة
الكشف، والتعرف على جوانب خفية من التجربة الإنسانية"، وهذا ما لمسناه في
أسلوب المتنبي عند الحديث عن المرأة وتلمس صورها في شعره.
وبعد
الوقوف على هذه المقتطفات من المقدمات الغزلية وإظهار براعة المتنبي في
رسم تلك المشاهد، والتي تحمل في داخلها إحساس الشاعر المرهف اتجاه الجنس
الآخر من بني جلدته، نستطيع الوقوف على العواطف الكامنة في نفس المتنبي،
وملاحظة تجلياته في رسم صورة المرأة، وبخاصة تلك التي اتخذها في مقدماته
الغزلية رمزا لتغنى آماله وآلامه وليضع كل ما يحس به ويجيش في صدره، فقد
بدأت صورة المرأة بالظهور في شعره تأخذ حيزا مقارنة مع الموضوعات الأخرى
التي قال فيها الشاعر، يقول محمد شرارة(172) "ومن هذا الاستعراض البسيط
للمقدمات الغزلية نجد الشاعر مشرفا على خلجات النفوس العاشقة، ملما
بأسرارها، مدركا خفاياها الموحشة بألوان الطيف."
ثانيا. المرأة في الإطار الأسري
على
الرغم من الحضور القوي للمرأة في ديوان أبي الطيب المتنبي، فإن من ترجموا
لحياته لم يذكروا إلا امرأتين من أفراد أسرته، هما جدته لأمه، وزوجته "أم
محسّد"، فالأولى عرفناها بعد موتها، من خلال المرثية الخالدة التي رثاها
بها، وسنعرض هنا مقتطفات من أبيات هذه القصيدة (يازجي175،1):
أَلا لا أَرى الأَحداثَ حَـمداً وَلا ذَمّا فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّـها حِـلـما
إِلى مِثلِ ما كانَ الفَتى مَرجِعُ الفَتى يَعودُ كَما أُبدي وَيُكري كَمــا أَرمى
أَتاها كِتابي بَـعدَ يَــأسٍ وَتَرحَةٍ فَماتَت سُروراً بي فَمُتُّ بِهــا غَـمّا
حَرامٌ عَلى قَــلبي السُرورُ فَإِنَّني أَعُدُّ الَّذي ماتَت بِهِ بَعـــدَها سُـمّا
رَقا دَمعُها الجـاري وَجَفَّت جُفونُها وَفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعــدَ مـا أَدمى
طَلَبتُ لـَها حَظّاً فَــفاتَت وَفاتَني وَقَد رَضِيَت بي لَو رَضيتُ بِها قِسما
تَعَجَّـبُ مِنْ لَفْظـي وخَطّي كأنّما ترَى بحُرُوفِ السّطـرِ أغرِبةً عُصْمَا
وتَلـْثِمُـهُ حتى أصــارَ مِـدادُهُ مَحـاجِرَ عَيْنَيْـها وأنْيـابَها سُـحْمَا
يخاطب
شاعرنا جدته في لفتة تبرز مدى براعة الشاعر في وصف المرأة، ولو كان ذلك
المقام هو مقام رثاء، فقد اشتد حزنه عليها فكأنه مات بها غماً, وماتت هي
من شدة سرورها بحياته بعد أن يئست منه، ويتابع في البيت التالي قائلا:
فالسرور حرام علي فإنني بعد موتها بالسرور أعده سماً فأتجنبه و أحرمه على
نفسي. ومما يزيد لهفة شاعرنا ما قاله في البيتن الأخيرين أنها كانت تتعجب
من كتابه عند رؤيته حتى كأنها تنظر على مالا يوجد, تماما كالغراب الأعصم،
ووجه تعجبها أنه سافر عنها حتى يئست منه, فلما نظرت إلى كتابه أكثرت النظر
شغفاً به لا عجباً حقيقة. فهي في حقيقة ذلك لم تزل تقبل كتابه و تضعه على
عينها حتى صارت أنيابها وما حول عينيها سواداُ بمداده أي حبره هذا. ومما
يدعم قدرته الشعرية في هذا المقام وبالذات رثائه للنساء استعانة الشاعر
بفن الإلتفات؛ فقد تنوعت ذات الشاعر بين المتكلمة والغائبة والمخاطبة.
وهذه
الأبيات إن دلة على شيء إنما تدل على الذئقة الشعرية والحس المرهف الذي
ينبع من إحساس صادق لدى شاعرنا اتجاه الجنس الأخر، كيف لا، وهو من قيل فيه
شاغل الناس ومالئ الدنيا. فقد لاحظ القدماء ظاهرة جديدة في رثاء المتنبي ـ
سيما إذا علمنا أن معظم مراثي الشاعر كانت في النساء ـ وهي انفراده
بابتداع ما يأتي به من معان في رثاء المرأة، يقول ابن الأثير(288،3):
"وهذا الموضع لم يأت فيه أحد بما يثبت على المحك إلا أبو الطيب وحده وأما
غيره من مفلقي الشعراء قديما وحديثا فإنهم قصروا عنه".
والثانية هي
زوجته"أم محسد" فقد نقلت الأخبار المتواترة أن المتنبي كان له ولد أسماه
محسّدا، وأنه قتل معه يوم داهمه فاتك الأسدي في دير العاقول(تنوخي30)،
ومما يؤكد مذهبنا هذا من أن المتنبي قد تزوج وكانت لديه أسرة، تلك الأبيات
التي قالها حين وصل إلى حلب مخاطبا أميرها(يازجي286،2):
إنّ الّذي خَلّفتُ خَلْفي ضـائِعُ ما لي على قَلَقي إليهِ خِيارُ
وإذا صُحِبْتَ فكُلُّ مآءٍ مَشْرَبٌ لَوْلا العِيالُ وكُلُّ أَرْضٍ دارُ
إذْنُ الأَمِيرِ بِأَنْ أَعُودَ إلَيْهِـمِ صِلَةٌ تَسِيرُ بِذِكرِها الأَشعَارُ
إلا
أن عدم حديث المتنبي عن زوجته والإتيان بها في معرض شعره ليس من باب
الإنتقاص لها والحط من قدر المرأة، وإنما هو من باب ما هو معروف لدينا أن
العربي حتى يومنا الحاظر لا يتحدث عن زوجته لعموم الناس احتراما لها وخشية
على سمعتها، ومع ذلك فقد أبدع شاعرنا فيما كتب عن المرأة والحب أيما
ابداع. يقول في مطلع إحدى القصائد(يازجي21،1):
كتمت حـبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيه إسراري وإعلاني
كأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في جسم كتماني
أي
تكرمت بكتمان حبك حتى كتمته منك أضيا، ثم تغيرت الحال حتى صار الإعلان
والإسرار سواء، يعني لم ينفع الإسرار وصار كالإعلان، حيث ظهر الحب
بالشواهد الدالة عليه وبطل الكتمان. ويقول في البيت التالي: كأن الحب زاد
حتى لم أقدر على إمساكه وكتمانه، ثم فاض على جسدي كما يفيض الماء إذا زاد
على ملئ الإناء، وصار سقمي بالحب في جسم الكتمان، أي صار سقمي قويا به
وانتقل إلى جسم كتماني فأذابه وأضعفه، فلما ضعف الكتمان ظهر الحب لضعف
مخيفه. فقد كان المتنبي كما يرى يوسف البديعي(409)" حسن اللفظ، وصاحب جودة
في المعنى، بالاضافة إلى استحكام الصنعة، وهذا من إحسانه المشهور الذي لا
يشق غباره فيه".
ثالثا. الصفات المادية للمرأة عند المتنبي
حدد
المتنبي المظاهر الحسية لصورة المرأة التي رسمها في خياله ، فطفق تغزلا
بها واصفا وجهها ولونها، وشعرها، وقوامها، وعيونها، وغير ذلك من الصفات،
وهذا ما نجده واضحاً كل الوضوح في متن الديوان، فقد تغزل الشاعر بنوع خاص
من الفتيات وركّز بشكل أخص على حالات الوداع والمفارقة فأبدع في ذلك
الجانب إلى حد كبير، وأما الأمور التي ركز عليها في تصويره للمرأة فكانت
من خلال الإتيان على الصفات المادية التي أرسلها شاعرنا في طيات أشعاره،
والتي استند عليها في رسم صورة تلك المرأة، فمن هذه الصفات تخصيصه أجزاء
معينة من الجسد:
أ.الشَعْرُ
يصف
المتنبي شعر المرأة، فيقول إن لها من الشعر الكثيف الملتف ما يقوم لها في
سترها إذا عريت من الثوب مقام الثوب، وهذا المعنى نجده تماما في البيت
التالي(يازجي101،1)
وَمَن كُلَّما جَرَّدتَها مِن ثِيابِها كَساها ثِياباً غَيرَها الشَـعَرُ الــوَحفُ
ويأتي المتنبي على وصف طول شعر المرأة، الذي يحمل رائحة العنبر ممزوج بماء الورد يقول(يازجي14،1):
حالِكٍ كَالغُدافِ جَثلٍ دَجوجِي يٍ أَثيثٍ جَعدٍ بِلا تَـجعيدِ
ذاتِ فَرعٍ كَأَنَّما ضُرِبَ العَن بَرُ فيهِ بِماءِ وَردٍ وَعـودِ
ثم يصف شاعرنا بعض النسوة وهن ينسجن ذوائبهن ليس طلبا للتحسن، ولكن خفن أن يضللن فيها لو أرسلنها لأنها تغشاهن كالليل، ومما يدلل على هذا الوصف قوله(يازجي139،1):
وَضَفَّرنَ الغَدائِرَ لا لـِحُسنٍ وَلَكِن خِفنَ في الشَــعَرِ الضَــلالا
ومنها قوله يصف شعر جارية
وَجارِيَةٍ شَـعرُها شَـطرُها مُحَكَّــمــَةٍ نــافِذٍ أَمــرُهــا
ب.العيون
العيون
هي الجزء الحساس المهم في تصوير الشاعر للمرأة، وهي مصدر الوحي له،
والمعبرة عن خلجات نفس الحبيبة، كيف لا، والعين هي مستودع الجمال، وفي ذلك
يقول المتنبي(يازجي242،1):
ما بِنا مِن هَوى العُيونِ اللَواتي لَونُ أَشفارِهِنَّ لَونُ الحِداقِإذ
يرى حسن شماع(20) أن العيون ثلاثة أصناف، القاتلة الفاتكة، والعيون الوسيلة، ثم صورة للعين المحذرة لعاشقها. من خلال عرض تلك التصنيفات للعيون، يقول المتنبي في العيون القاتلة(يازجي41،1):
إِنَّ الَّتي سَفَكَت دَمي بِجُفونِها لَم تَدرِ أَنَّ دَمي الَّذي تَتَقَلَّدُوهذه المرأة قتلت حبيبها ولم تدر أنها باءت بإثم.
أما العيون الوسيلة، فهي أكثر رقة من سابقتها، إذ يقول(يازجي358،2):
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِوعن العيون المحذرة لعاشقها يقول المتنبي(يازجي585،2):
كُلُّ مَهاةٍ كَأَنَّ مُقلَتَها تَقولُ إِيّاكُمُ وَإِيـاها
فهي كما نلاحظ تحذر العاشقين من مغبة صيدها، وهذه صورة غاية في الدقة والتمثيل، رسم الشعر من خلالها عيون تلك المرأة.
ج.أوصاف أخرى
من الصفات المادية التي أتى الشاعر على ذكرها في أشعاره، قامة المرأة ورشاقتها واعتدالها، وفي هذا الوصف يقول المتنبي(يازجي19،1):
خَريدَةٌ لَو رَأَتها الشَمسُ ما طَلَعَت وَلَو رَآها قَضيبُ البانِ لَم يَمِسِ
فهي
أحسن من الشمس حتى لو رأتها لم تطلع حياء منه، وهي أحسن تثنيا من تثني غصن
البان فلو رآها لم يتمايل، وهذا فيه إشارة إلى أنها في غاية الستر، حيث أن
الشمس لم تراها وكذلك غصن البان.
ومنها وصفه لردفها الثقيل الذي يمسكها إذا همت بالنهوض يقول الشاعر(يازجي134،1):
يَجذِبُها تَحتَ خَصرِها عَجُزٌ كَأَنَّهُ مِن فِراقِها وَجِلُ
ويصف
المتنبي المرأة بأوصاف رائعة تدل على مدى براعته في رسم وتشخيص ملامح
النساء الخارجية بشكل عام، فهي رقيقة ضامرة البطن، دقيقة الخصر، ومما يدلل
على ذلك قوله(يازجي135،2):
كُلُّ خَمصانَةٍ أَرَقُّ مِنَ الخَم رِ بِقَلبٍ أَقسى مِنَ الجَلمودِ
رابعا. صفات المرأة المعنوية عند المتنبي
من
المعروف أن أبو الطيب كان شديد التعلق بقيم العرب ومثلهم العليا؛ فحاول
جاهدا أن يجسد هذه القيم في أشعاره، وفي هذا المقام يرى عبد الفتاح
نافع(155)"أن المتنبي عمد إلى تجسيد القيم العربية، وراح يلح عليها في
أشعاره، ويعيد للعرب مجدهم التليد "، فتحقق له ذلك في جميع الأغراض التي
قال فيها بشكل عام، وما خص به المرأة العربية ذات الأخلاق العالية بشكل
خاص. فمن هذه الصفات التي اعتنى بها شاعرنا:
أ.الحياء والعفة
يعرض
لنا المتنبي هذه القيمة من خلال أبيات تحمل بداخلها معنى العفة وصون النفس
عند المرأة العربية، وذلك من أجل عدم الوقوع في المحضور الذي يفسد بدوره
هذه القيم، وهذا ما نلحظه في الأبيات التالية، يقول المتنبي(يازجي1،92):
بَيْضَاءُ تُطمِعُ في مَا تَحْتَ حُلّتِهَا وَعَــزَّ ذَلِكَ مَـطْلُوباً إِذَا طُـلِبَا
كَأَنّها الشمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ شُـعاعُها ويَراهُ الطَـرْفُ مُقْتَرِبَا
ب. عدم التكلف والتصنع
فشاعرنا
يعجب بالمرأة التي تبتعد عن التكلف، تماما حال هذه المرأة كحال البدويات
اللاتيي لا يحتلن على الحسن، فهي صفة أصيلة قد تربين عليها، وفي ذلك يقول
المتنبي(يازجي480،2):
ما أَوجُهُ الحَضَرِ المُستَحسَناتُ بِهِ كَأَوجُهِ البَدَوِيّـاتِ الرَعــابيبِ
حُسنُ الحَضارَةِ مَجلوبٌ بِتَـطرِيَةٍ وَفي البَداوَةِ حُسنٌ غَيرُ مَجلوبِ
ج. العزة والمنعة
هذه
الصفة يكبر الشاعر بها، وخاصة إذا توفرت بالمرأة ذات العفة والحياء، الأمر
الذي يجعل منها، جوهرة ثمينة ومصونة، وفي ذلك يقول المتنبي(يازجي481،2):
سَوائِرٌ رُبَّما سارَت هَوادِجُـها مَنيعَةً بَينَ مَطعونٍ وَمـَضروبِ
وَرُبَّما وَخَدَت أَيدي المَطيِّ بِها عَلى نَجيعٍ مِنَ الفُرسانِ مَصبوبِ
وبعد
فقد سلطنا الضوء من خلال ما سبق على صورة المرأة في شعر المتنبي، واستطاع
شاعرنا بما أتيح له من ذائقة فنية ذات حس مليئ بالعواطف الجياشة، والتي
تقوده إلى التفنن في مختلف أغراض الشعر، وبالذات غرض الغزل، أن يرسم صورة
المرأة بصبغة لها خصوصية تفردا بها الشاعر عن غيره من الشعراء، فبعد أن
رحلنا في غزل المتنبي، ونظرته للمرأة، نستطيع أن نقول أن المتنبي خرج
بالشعر العربي إلى آفاق جديدة لم يطرقها الشعر من قبل وهذا ما لمسناه
أثناء دراسستنا لصورة المرأة في شعر المتنبي، فقد انطلق المتنبي من تجربة
فريدة في الحب شعارها ذلك المحبوب الذي تاق إليه. فجعل منه شخصا فريدأ له
تجلياته، وعبقه الخالص .
المقدمة
جاء
المتنبي في عصر متأخر من الحضارة العربية، التي ازدهرت وفاقت سمعتها أرجاء
الدنيا، وهو بلا شك، قد تأثر بالشعراء الذين تغنوا بالمرأة كرمز حضاري له
عبقه الشعري الخاص، وعلى الرغم من أن المتنبي كان متأثرا بغيره إلا أن هذا
التأثر كان مصحوبا بجديد له جانب كبير من الإثارة والتشويق.
ويتناول
هذا البحث صورة المرأة في شعر المتنبي، وينقسم إلى أربعة محاور رئيسية،
حيث عنى المبحث الأول بالحديث عن المرأة وتلمس صورها، وتناول المبحث
الثاني صورة المرأة في الإطار الأسري، وأما عن المبحث الثالث فقد جاء
الحديث فيه عن صفات المرأة المادية، وانتهى الحديث في المبحث الرابع
بتناول الصفات المعنوية للمرأة، من حيائها وعفتها، والحسب والنسب،
والرزانة والعقل والاتزان .
أولا : تلمس صورة المرأة في شعر المتنبي
إذا
كان حال المرأة في الشعر الجاهلي صورة جميلة يزين بها الشعراء مطالع
قصائدهم، وعلاقتهم بها "تتخذ طابع التكريم والتقدير مرة، والتبذل والمجون
أخرى"(شماع9)، فهي عند المتنبي أيضا على هذا النحو. فلو تتبعنا المتنبي في
شعره لوجدناه يتغنى المرأة، ويضعها أحيانا في مقدمة قصائده، فالمقدمات
الغزلية في شعر المتنبي، تظهر صورة جلية لتلك المرأة، و هذا الدكتور سعد
شلبي(11) يرى بأن المتنفس الوحيد للمتنبي الذي يفصح عن حبه المكتوم للمرأة
هو مطالع قصائده. فقد جاء في ديوانه (يازجي2،646)، قوله في إحداها:
كما
نلالحظ لا يذكر المتنبي أوصاف المرأة إلا بعد أن يذكر الفراق المر، والهجر
الأليم، حتى لنشعر أنه لم يحظ بوصالها أبدا، وفي هذه الأبيات فعل الشيء
ذاته، فهو يرى أن حياته كالموت بفعل فراق حبيبته التي ركز في البيت التالي
على رسم صورة خارجية لها، فهي ذات وجه كالبدر وقوام رشيق كالغصن.
وفي قطعة، يقول المتنبي في بيت يبن من خلاله حالة المحب (يازجي1،25):
تَذَلْل لَهَا واخْضَعْ على القُربِ والنَوى فَمَا عَاشِقٌ مَنْ لا يَذِلُّ ويَخْضَعُ
أي ارض بما تحكم منقادا مطيعا لها، والخضوع في القرب هو الطاعة والانقياد، وفي البعد الرضى والتسليم لفعلها وذلك آية المحب.
ويتابع الشاعر حديثه عن صورة المرأة في أبيات يتحدث فيها عن أعرابية سكنت قلبه دونما استئذان بلا مشقة ولا تعب(يازجي1،92):
هَامَ الفُؤادُ بِأَعْـرَابيَّةٍ سَكَنـَتْ بَيْتَاً مِن القَلْبِ لَمْ تَمـددْ لَهُ طُنُبـا
بَيْضَاءُ تُطمِعُ في مَا تَحْتَ حُلّتِهَا وَعَــزَّ ذَلِكَ مَـطْلُوباً إِذَا طُـلِبَا
كَأَنّها الشمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ شُـعاعُها ويَراهُ الطَـرْفُ مُقْتَرِبَا
مَرَّتْ بِنَا بَيْنَ تِربَيْها فَقُلْتُ لَـها مِن أَيْن جَانَسَ هذا الشادِنُ العَرَبا
فالهيام:
أن يذهب الرجل على وجهه لغلبة الهوى عليه، فالشاعر كما نلاحظ يصف حال
المحب الذي ملكت قلبه المحبوبة بلا كلفة ومشقة، فكانت كمن سكن بيتا لم
يتعب في إقامته، فالقلب بيت بلا إطناب ولا أوتاد. وفي البيت التالي، ينتقل
الشاعر ليرسم صورة أخرى لهذه المرأة، يبن من خلالها عفة المرأة العربية
وصونها لعرضها، يقول: إنها لأنسها ولين حديثها، يطمع الطالب فيما تحت
ثيابها، فيصعب الوصول إلى مطلبه، وذلك لعفتها وصونها لنفسها.
ويتابع الشاعر حديثه عن المرأة فيقول (يازجي2،584) :
شَامِيَّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بِهَـا تُبْصِرُ في نَاظِري مَحْيَـاهَا
فَقَبَّلْـتُ نَاظِري تُغَـالِطُنِي وَإِنَّمَا قَبَّلْـتُ بِهِ فَـــاهَا
فَلَيْتَـهَا لا تَزَالُ آوِيَــةً وَلَيْتَـهُ لا يَزَالُ مَــأوِاهَا
يقصد المتنبي من هذا الكلام أنه يريد دوام قربها منه، بحيث يبقى وجهها في ناظره، وهي كناية عن غاية القرب، فقد منحته
القبلة كما دل على ذلك البيت الثاني، لكن ذلك كان على سبيل الوهم، فهي
أوهمته أنها قبّلت عينيه، وإنما قبلت فاها الذي رأته في ناظره. وبعد عرض
لذلك المشهد الرومانسي، يأتي تمني الشاعر من خلال رسم صورة تحمل في داخلها
حرصه الشديد على هذه المرأة، فهو كما نلاحظ يتمنى أن يكون ناظره مأواها
الذي يأويها ويضمها، فقد أوصله تعلقه الشديد بها وحرصه على عدم مفارقتها
أن يعد لها المسكن والمنزل، ولو كان ذلك الأمر على حساب بصره؛ أي أنه يرضى
بأن يكون بصره مأواها من حبه لها لا يزول أبدا. فالصورة الفنية كما يرى
خالد الزواوي(101)"وسيلة حتمية لإدراك نوع متميز من الحقائق، تعجز اللغة
الاعتيادية إدراكة، أو توصيله، وتصبح الصورة التي تمنحها للمبدع قرينة
الكشف، والتعرف على جوانب خفية من التجربة الإنسانية"، وهذا ما لمسناه في
أسلوب المتنبي عند الحديث عن المرأة وتلمس صورها في شعره.
وبعد
الوقوف على هذه المقتطفات من المقدمات الغزلية وإظهار براعة المتنبي في
رسم تلك المشاهد، والتي تحمل في داخلها إحساس الشاعر المرهف اتجاه الجنس
الآخر من بني جلدته، نستطيع الوقوف على العواطف الكامنة في نفس المتنبي،
وملاحظة تجلياته في رسم صورة المرأة، وبخاصة تلك التي اتخذها في مقدماته
الغزلية رمزا لتغنى آماله وآلامه وليضع كل ما يحس به ويجيش في صدره، فقد
بدأت صورة المرأة بالظهور في شعره تأخذ حيزا مقارنة مع الموضوعات الأخرى
التي قال فيها الشاعر، يقول محمد شرارة(172) "ومن هذا الاستعراض البسيط
للمقدمات الغزلية نجد الشاعر مشرفا على خلجات النفوس العاشقة، ملما
بأسرارها، مدركا خفاياها الموحشة بألوان الطيف."
ثانيا. المرأة في الإطار الأسري
على
الرغم من الحضور القوي للمرأة في ديوان أبي الطيب المتنبي، فإن من ترجموا
لحياته لم يذكروا إلا امرأتين من أفراد أسرته، هما جدته لأمه، وزوجته "أم
محسّد"، فالأولى عرفناها بعد موتها، من خلال المرثية الخالدة التي رثاها
بها، وسنعرض هنا مقتطفات من أبيات هذه القصيدة (يازجي175،1):
أَلا لا أَرى الأَحداثَ حَـمداً وَلا ذَمّا فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّـها حِـلـما
إِلى مِثلِ ما كانَ الفَتى مَرجِعُ الفَتى يَعودُ كَما أُبدي وَيُكري كَمــا أَرمى
أَتاها كِتابي بَـعدَ يَــأسٍ وَتَرحَةٍ فَماتَت سُروراً بي فَمُتُّ بِهــا غَـمّا
حَرامٌ عَلى قَــلبي السُرورُ فَإِنَّني أَعُدُّ الَّذي ماتَت بِهِ بَعـــدَها سُـمّا
رَقا دَمعُها الجـاري وَجَفَّت جُفونُها وَفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعــدَ مـا أَدمى
طَلَبتُ لـَها حَظّاً فَــفاتَت وَفاتَني وَقَد رَضِيَت بي لَو رَضيتُ بِها قِسما
تَعَجَّـبُ مِنْ لَفْظـي وخَطّي كأنّما ترَى بحُرُوفِ السّطـرِ أغرِبةً عُصْمَا
وتَلـْثِمُـهُ حتى أصــارَ مِـدادُهُ مَحـاجِرَ عَيْنَيْـها وأنْيـابَها سُـحْمَا
يخاطب
شاعرنا جدته في لفتة تبرز مدى براعة الشاعر في وصف المرأة، ولو كان ذلك
المقام هو مقام رثاء، فقد اشتد حزنه عليها فكأنه مات بها غماً, وماتت هي
من شدة سرورها بحياته بعد أن يئست منه، ويتابع في البيت التالي قائلا:
فالسرور حرام علي فإنني بعد موتها بالسرور أعده سماً فأتجنبه و أحرمه على
نفسي. ومما يزيد لهفة شاعرنا ما قاله في البيتن الأخيرين أنها كانت تتعجب
من كتابه عند رؤيته حتى كأنها تنظر على مالا يوجد, تماما كالغراب الأعصم،
ووجه تعجبها أنه سافر عنها حتى يئست منه, فلما نظرت إلى كتابه أكثرت النظر
شغفاً به لا عجباً حقيقة. فهي في حقيقة ذلك لم تزل تقبل كتابه و تضعه على
عينها حتى صارت أنيابها وما حول عينيها سواداُ بمداده أي حبره هذا. ومما
يدعم قدرته الشعرية في هذا المقام وبالذات رثائه للنساء استعانة الشاعر
بفن الإلتفات؛ فقد تنوعت ذات الشاعر بين المتكلمة والغائبة والمخاطبة.
وهذه
الأبيات إن دلة على شيء إنما تدل على الذئقة الشعرية والحس المرهف الذي
ينبع من إحساس صادق لدى شاعرنا اتجاه الجنس الأخر، كيف لا، وهو من قيل فيه
شاغل الناس ومالئ الدنيا. فقد لاحظ القدماء ظاهرة جديدة في رثاء المتنبي ـ
سيما إذا علمنا أن معظم مراثي الشاعر كانت في النساء ـ وهي انفراده
بابتداع ما يأتي به من معان في رثاء المرأة، يقول ابن الأثير(288،3):
"وهذا الموضع لم يأت فيه أحد بما يثبت على المحك إلا أبو الطيب وحده وأما
غيره من مفلقي الشعراء قديما وحديثا فإنهم قصروا عنه".
والثانية هي
زوجته"أم محسد" فقد نقلت الأخبار المتواترة أن المتنبي كان له ولد أسماه
محسّدا، وأنه قتل معه يوم داهمه فاتك الأسدي في دير العاقول(تنوخي30)،
ومما يؤكد مذهبنا هذا من أن المتنبي قد تزوج وكانت لديه أسرة، تلك الأبيات
التي قالها حين وصل إلى حلب مخاطبا أميرها(يازجي286،2):
إنّ الّذي خَلّفتُ خَلْفي ضـائِعُ ما لي على قَلَقي إليهِ خِيارُ
وإذا صُحِبْتَ فكُلُّ مآءٍ مَشْرَبٌ لَوْلا العِيالُ وكُلُّ أَرْضٍ دارُ
إذْنُ الأَمِيرِ بِأَنْ أَعُودَ إلَيْهِـمِ صِلَةٌ تَسِيرُ بِذِكرِها الأَشعَارُ
إلا
أن عدم حديث المتنبي عن زوجته والإتيان بها في معرض شعره ليس من باب
الإنتقاص لها والحط من قدر المرأة، وإنما هو من باب ما هو معروف لدينا أن
العربي حتى يومنا الحاظر لا يتحدث عن زوجته لعموم الناس احتراما لها وخشية
على سمعتها، ومع ذلك فقد أبدع شاعرنا فيما كتب عن المرأة والحب أيما
ابداع. يقول في مطلع إحدى القصائد(يازجي21،1):
كتمت حـبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيه إسراري وإعلاني
كأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في جسم كتماني
أي
تكرمت بكتمان حبك حتى كتمته منك أضيا، ثم تغيرت الحال حتى صار الإعلان
والإسرار سواء، يعني لم ينفع الإسرار وصار كالإعلان، حيث ظهر الحب
بالشواهد الدالة عليه وبطل الكتمان. ويقول في البيت التالي: كأن الحب زاد
حتى لم أقدر على إمساكه وكتمانه، ثم فاض على جسدي كما يفيض الماء إذا زاد
على ملئ الإناء، وصار سقمي بالحب في جسم الكتمان، أي صار سقمي قويا به
وانتقل إلى جسم كتماني فأذابه وأضعفه، فلما ضعف الكتمان ظهر الحب لضعف
مخيفه. فقد كان المتنبي كما يرى يوسف البديعي(409)" حسن اللفظ، وصاحب جودة
في المعنى، بالاضافة إلى استحكام الصنعة، وهذا من إحسانه المشهور الذي لا
يشق غباره فيه".
ثالثا. الصفات المادية للمرأة عند المتنبي
حدد
المتنبي المظاهر الحسية لصورة المرأة التي رسمها في خياله ، فطفق تغزلا
بها واصفا وجهها ولونها، وشعرها، وقوامها، وعيونها، وغير ذلك من الصفات،
وهذا ما نجده واضحاً كل الوضوح في متن الديوان، فقد تغزل الشاعر بنوع خاص
من الفتيات وركّز بشكل أخص على حالات الوداع والمفارقة فأبدع في ذلك
الجانب إلى حد كبير، وأما الأمور التي ركز عليها في تصويره للمرأة فكانت
من خلال الإتيان على الصفات المادية التي أرسلها شاعرنا في طيات أشعاره،
والتي استند عليها في رسم صورة تلك المرأة، فمن هذه الصفات تخصيصه أجزاء
معينة من الجسد:
أ.الشَعْرُ
يصف
المتنبي شعر المرأة، فيقول إن لها من الشعر الكثيف الملتف ما يقوم لها في
سترها إذا عريت من الثوب مقام الثوب، وهذا المعنى نجده تماما في البيت
التالي(يازجي101،1)
وَمَن كُلَّما جَرَّدتَها مِن ثِيابِها كَساها ثِياباً غَيرَها الشَـعَرُ الــوَحفُ
ويأتي المتنبي على وصف طول شعر المرأة، الذي يحمل رائحة العنبر ممزوج بماء الورد يقول(يازجي14،1):
حالِكٍ كَالغُدافِ جَثلٍ دَجوجِي يٍ أَثيثٍ جَعدٍ بِلا تَـجعيدِ
ذاتِ فَرعٍ كَأَنَّما ضُرِبَ العَن بَرُ فيهِ بِماءِ وَردٍ وَعـودِ
ثم يصف شاعرنا بعض النسوة وهن ينسجن ذوائبهن ليس طلبا للتحسن، ولكن خفن أن يضللن فيها لو أرسلنها لأنها تغشاهن كالليل، ومما يدلل على هذا الوصف قوله(يازجي139،1):
وَضَفَّرنَ الغَدائِرَ لا لـِحُسنٍ وَلَكِن خِفنَ في الشَــعَرِ الضَــلالا
ومنها قوله يصف شعر جارية
وَجارِيَةٍ شَـعرُها شَـطرُها مُحَكَّــمــَةٍ نــافِذٍ أَمــرُهــا
ب.العيون
العيون
هي الجزء الحساس المهم في تصوير الشاعر للمرأة، وهي مصدر الوحي له،
والمعبرة عن خلجات نفس الحبيبة، كيف لا، والعين هي مستودع الجمال، وفي ذلك
يقول المتنبي(يازجي242،1):
ما بِنا مِن هَوى العُيونِ اللَواتي لَونُ أَشفارِهِنَّ لَونُ الحِداقِإذ
يرى حسن شماع(20) أن العيون ثلاثة أصناف، القاتلة الفاتكة، والعيون الوسيلة، ثم صورة للعين المحذرة لعاشقها. من خلال عرض تلك التصنيفات للعيون، يقول المتنبي في العيون القاتلة(يازجي41،1):
إِنَّ الَّتي سَفَكَت دَمي بِجُفونِها لَم تَدرِ أَنَّ دَمي الَّذي تَتَقَلَّدُوهذه المرأة قتلت حبيبها ولم تدر أنها باءت بإثم.
أما العيون الوسيلة، فهي أكثر رقة من سابقتها، إذ يقول(يازجي358،2):
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِوعن العيون المحذرة لعاشقها يقول المتنبي(يازجي585،2):
كُلُّ مَهاةٍ كَأَنَّ مُقلَتَها تَقولُ إِيّاكُمُ وَإِيـاها
فهي كما نلاحظ تحذر العاشقين من مغبة صيدها، وهذه صورة غاية في الدقة والتمثيل، رسم الشعر من خلالها عيون تلك المرأة.
ج.أوصاف أخرى
من الصفات المادية التي أتى الشاعر على ذكرها في أشعاره، قامة المرأة ورشاقتها واعتدالها، وفي هذا الوصف يقول المتنبي(يازجي19،1):
خَريدَةٌ لَو رَأَتها الشَمسُ ما طَلَعَت وَلَو رَآها قَضيبُ البانِ لَم يَمِسِ
فهي
أحسن من الشمس حتى لو رأتها لم تطلع حياء منه، وهي أحسن تثنيا من تثني غصن
البان فلو رآها لم يتمايل، وهذا فيه إشارة إلى أنها في غاية الستر، حيث أن
الشمس لم تراها وكذلك غصن البان.
ومنها وصفه لردفها الثقيل الذي يمسكها إذا همت بالنهوض يقول الشاعر(يازجي134،1):
يَجذِبُها تَحتَ خَصرِها عَجُزٌ كَأَنَّهُ مِن فِراقِها وَجِلُ
ويصف
المتنبي المرأة بأوصاف رائعة تدل على مدى براعته في رسم وتشخيص ملامح
النساء الخارجية بشكل عام، فهي رقيقة ضامرة البطن، دقيقة الخصر، ومما يدلل
على ذلك قوله(يازجي135،2):
كُلُّ خَمصانَةٍ أَرَقُّ مِنَ الخَم رِ بِقَلبٍ أَقسى مِنَ الجَلمودِ
رابعا. صفات المرأة المعنوية عند المتنبي
من
المعروف أن أبو الطيب كان شديد التعلق بقيم العرب ومثلهم العليا؛ فحاول
جاهدا أن يجسد هذه القيم في أشعاره، وفي هذا المقام يرى عبد الفتاح
نافع(155)"أن المتنبي عمد إلى تجسيد القيم العربية، وراح يلح عليها في
أشعاره، ويعيد للعرب مجدهم التليد "، فتحقق له ذلك في جميع الأغراض التي
قال فيها بشكل عام، وما خص به المرأة العربية ذات الأخلاق العالية بشكل
خاص. فمن هذه الصفات التي اعتنى بها شاعرنا:
أ.الحياء والعفة
يعرض
لنا المتنبي هذه القيمة من خلال أبيات تحمل بداخلها معنى العفة وصون النفس
عند المرأة العربية، وذلك من أجل عدم الوقوع في المحضور الذي يفسد بدوره
هذه القيم، وهذا ما نلحظه في الأبيات التالية، يقول المتنبي(يازجي1،92):
بَيْضَاءُ تُطمِعُ في مَا تَحْتَ حُلّتِهَا وَعَــزَّ ذَلِكَ مَـطْلُوباً إِذَا طُـلِبَا
كَأَنّها الشمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ شُـعاعُها ويَراهُ الطَـرْفُ مُقْتَرِبَا
ب. عدم التكلف والتصنع
فشاعرنا
يعجب بالمرأة التي تبتعد عن التكلف، تماما حال هذه المرأة كحال البدويات
اللاتيي لا يحتلن على الحسن، فهي صفة أصيلة قد تربين عليها، وفي ذلك يقول
المتنبي(يازجي480،2):
ما أَوجُهُ الحَضَرِ المُستَحسَناتُ بِهِ كَأَوجُهِ البَدَوِيّـاتِ الرَعــابيبِ
حُسنُ الحَضارَةِ مَجلوبٌ بِتَـطرِيَةٍ وَفي البَداوَةِ حُسنٌ غَيرُ مَجلوبِ
ج. العزة والمنعة
هذه
الصفة يكبر الشاعر بها، وخاصة إذا توفرت بالمرأة ذات العفة والحياء، الأمر
الذي يجعل منها، جوهرة ثمينة ومصونة، وفي ذلك يقول المتنبي(يازجي481،2):
سَوائِرٌ رُبَّما سارَت هَوادِجُـها مَنيعَةً بَينَ مَطعونٍ وَمـَضروبِ
وَرُبَّما وَخَدَت أَيدي المَطيِّ بِها عَلى نَجيعٍ مِنَ الفُرسانِ مَصبوبِ
وبعد
فقد سلطنا الضوء من خلال ما سبق على صورة المرأة في شعر المتنبي، واستطاع
شاعرنا بما أتيح له من ذائقة فنية ذات حس مليئ بالعواطف الجياشة، والتي
تقوده إلى التفنن في مختلف أغراض الشعر، وبالذات غرض الغزل، أن يرسم صورة
المرأة بصبغة لها خصوصية تفردا بها الشاعر عن غيره من الشعراء، فبعد أن
رحلنا في غزل المتنبي، ونظرته للمرأة، نستطيع أن نقول أن المتنبي خرج
بالشعر العربي إلى آفاق جديدة لم يطرقها الشعر من قبل وهذا ما لمسناه
أثناء دراسستنا لصورة المرأة في شعر المتنبي، فقد انطلق المتنبي من تجربة
فريدة في الحب شعارها ذلك المحبوب الذي تاق إليه. فجعل منه شخصا فريدأ له
تجلياته، وعبقه الخالص .
خادم الصالحين- عضو راقي
- عدد المساهمات : 1064
نقاط : 3198
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 23/01/2012
مواضيع مماثلة
» موضوع المحور السادس:( دور المرأة في البناء والتحرير) - للبكالوريا العلمي والأدبي
» موضوع المحور الثامن - الأدب الوجداني (موضوع للعلمي والأدبي)
» الرؤى موضوع الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً ؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعل
» الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الذاكر
» من روائع المتنبي أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وفي التودد والاستعطاف قال لسيف الدولة وله في الحكمة قوله
» موضوع المحور الثامن - الأدب الوجداني (موضوع للعلمي والأدبي)
» الرؤى موضوع الرؤيا، هل لها أصل في الدين ؟ أم هي أضغاث أحلام، هل نعلق عليها أمالاً ؟.. هل نستنبط منها حكماً ؟ هل نتبعها في كل شؤون حياتنا ؟.. موضوع الرؤيا له أصل في الدين، وله حدود ينبغي أن لا نتجاوزها، وقبل أن أبدأ الحديث عن هذا الموضوع لابد من مقدمة تتعل
» الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الذاكر
» من روائع المتنبي أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وفي التودد والاستعطاف قال لسيف الدولة وله في الحكمة قوله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 05, 2017 8:59 pm من طرف خادم الصالحين
» الحقيقة عدل الراعي في رعيته من أعظم القربات
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:38 pm من طرف خادم الصالحين
» الغضب إياك أن تتخذ قراراً وأنت غاضب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:36 pm من طرف خادم الصالحين
» ليس بين العبد وربِّه وسيط
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:31 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة الدائمة والسعادة المؤقتة
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:29 pm من طرف خادم الصالحين
» شروط استجابة الدعاء
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:28 pm من طرف خادم الصالحين
» السعادة والشقاء مصدرها القلب
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:24 pm من طرف خادم الصالحين
» أكبر عقاب يصيب الإنسان في الدنيا
الأربعاء نوفمبر 01, 2017 9:21 pm من طرف خادم الصالحين
» لعقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - : اسم الله القريب
الأحد أكتوبر 29, 2017 10:16 pm من طرف خادم الصالحين
» شوفو شغلي الجديد
السبت أكتوبر 28, 2017 12:36 am من طرف عقبة